وَرُؤْيَتُهُ بِالنَّهَارِ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مُطْلَقًا عَلَى الْمَذْهَبِ ذَكَرَهُ الْحَدَّادِيُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQطَالِبِينَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ فَلَوْ شَهِدَا فِي الصَّحْوِ بِهِلَالِ شَعْبَانَ وَثَبَتَ بِشُرُوطِ الثُّبُوتِ الشَّرْعِيِّ يَثْبُتُ رَمَضَانُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ وَإِنْ كَانَ رَمَضَانُ فِي الصَّحْوِ لَا يَثْبُتُ بِخَبَرِهِمَا؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ حِينَئِذٍ ضِمْنِيٌّ وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ اهـ. .
مَطْلَبٌ فِي رُؤْيَةِ الْهِلَالِ نَهَارًا (قَوْلُهُ: وَرُؤْيَتُهُ بِالنَّهَارِ لِلَّيْلَةِ الْآتِيَةِ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ رُئِيَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ (وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ) : أَيْ الَّذِي هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ.
وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ هِلَالُ شَوَّالٍ فَعِنْدَهُمَا يَكُونُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ مُطْلَقًا وَيَكُونُ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَعِنْدَهُ لَوْ قَبْلَ الزَّوَالِ يَكُونُ الْمَاضِيَةَ وَيَكُونُ الْيَوْمُ يَوْمَ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ عَادَةً إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ فَيَجِبُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ كَوْنُ الْيَوْمِ مِنْ رَمَضَانَ، وَفِي هِلَالِ شَوَّالٍ كَوْنُهُ يَوْمَ الْفِطْرِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ لَا تُعْتَبَرُ رُؤْيَتُهُ نَهَارًا، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِرُؤْيَتِهِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» أَمَرَ بِالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ فَفِيمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ مُخَالَفَةُ النَّصِّ اهـ مُلَخَّصًا.
وَفِي الْفَتْحِ: أَوْجَبَ الْحَدِيثُ سَبْقَ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ، وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا اهـ.
قُلْت: وَالْحَاصِلُ: إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا قَبْلَ الزَّوَالِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنَّ الْهِلَالَ قَدْ وُجِدَ فِي الْأُفُقِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَغَابَ، ثُمَّ ظَهَرَ نَهَارًا فَظُهُورُهُ فِي النَّهَارِ فِي حُكْمِ ظُهُورِهِ فِي لَيْلَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْ ابْتِدَاءِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ لَيْلَةٍ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلَيْلَتَيْنِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَكَوْنِهِ لِلَيْلَتَيْنِ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ صَارَ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَإِذَا كَانَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ يَكُونُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورُ أَوَّلَ الشَّهْرِ، فَيَجِبُ صَوْمُهُ إنْ كَانَ رَمَضَانَ، وَيَجِبُ فِطْرُهُ إنْ كَانَ شَوَّالًا.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَكُونُ لِلْمَاضِيَةِ مُطْلَقًا بَلْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ وَلَيْسَ كَوْنُهُ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ ثَابِتًا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ عِنْدَهُمَا بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْفَتْحِ إنَّمَا هُوَ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ مِنْ رَمَضَانَ. فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ الْمَذْكُورِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الشَّهْرِ وَرُئِيَ فِيهِ الْهِلَالُ نَهَارًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَعِنْدَهُمَا لَا عِبْرَةَ لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ وَيَكُونُ أَوَّلُ الشَّهْرِ يَوْمَ السَّبْتِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِينَ فَلَمْ تُفِدْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ شَيْئًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُهُمْ هُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، وَتَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ، فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ قَوْلِهِمْ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ عِنْدَهُمَا وَقَوْلِهِمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا عِنْدَهُمَا وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ يَوْمَ الشَّكِّ، وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ؛ لِأَنَّ رُؤْيَتَهُ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهَا أَنَّهُ لِلْمَاضِيَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الشَّهْرُ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ، وَشَمِلَ قَوْلُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَتِهِ نَهَارًا.
أَمَّا إذَا رُئِيَ يَوْمَ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ قَبْلَ الشَّمْسِ ثُمَّ رُئِيَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلًا كَمَا هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ إنَّهُ لَا تُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ صَبَاحًا ثُمَّ مَسَاءً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتَاوَى الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا لَوْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ لَيْلًا ثُمَّ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ رَآهُ صَبِيحَتَهَا