مَتَى خَلَا مِنْ وَاحِدٍ منها كان كَالحَيَوَانِ الَّذِي عَابَهُ نَقْصٌ فِي خِلْقَتِهِ، وَشَانَهُ فَقْدُ شَيْءٍ مِنْ أَعْضَاءِ صُوْرتهِ. أوَّلُهَا فَصَاحَةُ اللَّفْظِ، وَإِبْدَاعُ المَعْنَى؛ لأنَّ الشِّعْرَ لَفْظٌ وَمَعْنًى، فَاللَّفْظُ جِسْمُ الحَيَوَانِ، وَالمَعْنَى رُوْحُهُ وَنَفْسُهُ، وَفَصَاحَةُ اللَّفظِ نُعُوْمَةُ ذَلِكَ الجِسْمِ، وَحُسْنُ بَشَرَتِهِ، وَصفَاءُ لَؤْبهِ.
وَإِبْدَاعُ المَعْنَى شَرَفُ تِلْكَ النَّفْسُ، وَكَمَالُهُا وَزَهْوُهَا. وَكَمَا أنَّ الجِسْمَ بِغَيْرِ رُوْحٍ لَا يُوْجَدُ بِهِ حَرَكَة وَلَا عَقْلٌ، وَالرُّوْحَ بِغَيْرِ جِسْمٍ لَا يُدْرَكُ لَهَا مَلَكَةُ وَلَا فِعْلٌ، فَكذَلِكَ الشِّعْرُ، لَا يَصحُّ إلَّا بِاجْتِمَاع اللَّفْظِ وَالمَعْنَى فِيْهِ مِنْ غَيْرِ انْفِرَادِ أحَدهُمَا عَنِ الآخَرِ. وَإذَا كَانَتْ الفَصاحَةُ مُسَلَّمَةً إلَى العَرَبِ ---- مِنْ إبْدَاعِ المَعْنَى، وَجَزَالَةِ اللَفْظِ، وَالحِذْقِ بِصنَاعَةِ الشِّعْرِ -- حَقُّهُمْ، وَلَا يُنْكَرُ سَبْقُهُمْ. وَأنَا لَا أُسَلِّمُ إلَى المُتَقَدِّمِ إِذَا جَاءَ بِالرَّدِيْءِ مِن شِعْرِهِ لِتَقَدُّمِهِ، وَلَا أبْخَسُ المُتَأخِّرَ حَقَّ الفَضِيْلَةِ لِتَأخُّرِهِ اقْتِدَاءً بِالمئَلِ السَّائِرِ، المُنْجِدِ الغَائِرِ، المُحْكَمِ الأَوْصَافِ، الكَامِلِ العَدْلِ وَالإنْصَافِ، وَهُوَ قَوْلُ أمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ عَلِيّ بن أبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا تَنْظُرْ إلَى مَنْ قَالَ، وَانْظُرْ ما قال.
فَالفَصَاحَةُ فِي اللَّفْظِ كَالأَبْيَاتِ الَّتِي يَرْوِيْهَا النَّاسُ لِلفَرَزْدَقِ (?): [من الطويل]