الانْتِهَاءِ إِلَى غَايَاتِهَا؛ لأَنَّهَا قَلِيْلَةٌ جِدًّا، مَعْدُوْمَةٌ مَعْدُوْدَةٌ عَدًّا، فَلَا تَكَادُ تُصَادُ إِلَّا فِي النَّادِرِ مِنْ أَلْفَاظِ الرِّجَالِ، وَآحَادِ الأمْثَالِ. فَأَمَّا أَنَا، فَإنَّنِي أَنْفَقْتُ فِي ابْتِغَائِهَا بِضْعَةً مِنَ أَيَّامِ العُمْرِ، وَأَنْفَذْتُ فِي إِحْصائِهَا، وَمِنْ جَرَّاهَا مُعْظَمَ الصَّبْرِ، وَرَجَوْتُ بِذَلِكَ جَزِيْلَ الأَجْرِ، وَجَمِيْلَ الذِّكْرِ، وَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ جَلَّ اسْمُهُ، وَأَلَّفْتُ هَذَا الكِتَابِ، وَوَسَمْتُهُ بِكِتَابِ (الدُّرِّ الفَرِيْدِ وَبَيْتِ القَصِيْدِ)، وَأَرْسَلْتُ فِيْهِ عِشْرِيْنَ ألْفَ بَيْتٍ فَرْدٍ قَائِمٍ بِذَاتِهِ شَرُوْدٍ فَذٍّ (?)، مُحْكَمٍ مُحَرَّرٍ، مَضْبُوْطٍ مُنَقَّحٍ، مُحَكَّكٍ مُحْتَوٍ عَلَى الشُّرُوْطِ، فَصِيْحِ اللَّفْظِ، صحِيْحِ المَعْنَى، وَاقِعٍ التَّشْبِيْهِ، جَيِّدِ الكِنَايَةِ مُسْتَوْلٍ عَلَى أسَالِيْبِ الحُسْنِ وَالجَّمَالِ، مُشْتَمِلٍ عَلَى أَوْصَافِ التَّمَامِ وَالكَمَالِ، مُنْتَخَبٍ مُعَدٍّ لِمُبْتَغِيْهِ، قَابِلٍ لِكُلِّ مَعْنًى يُصاغُ فِيْهِ، وَقَفَيْتُهُ عَلَى حُرُوْفِ المِعْجَمِ اقْتِدَاءً بِمَنْ سَبَقَ مِنَ المُؤَلِّفِيْنَ، وَتَقَدَّمَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالأحَادِيْثِ، وَالطِّبِّ وَالتَّوَارِيْخِ. وَهُوَ أَنْ نُرَاعِي حُرُوْفَ أَوَّلِ الكَلِمَةِ مِنَ البَيْتِ المُفْرَدِ، فَنُورِدَهُ فِي بَابِهِ عَلَى تَرْتِيْبِ حُرُوْفِ اب ت ث فِي أَوَائِلِهَا؛ لِيَسْهُلَ طَرِيْقُ الطَّلَبِ عَلَى مُتَنَاوِلِهَا، ثُمَّ نُرُاعِي مَا يَتَرَتَّبُ مِنْ حُرُوْفِ البَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ حَرْفًا حَرْفًا، فَنُقَدِّمَ مَا هُوَ مُقَدَّمٌ مَا أَمْكَنَ حَذَرًا مِنَ التَّكْرَارِ؛ وَلِيُؤْمَنَ حَتَّى نَأْتِي عَلَى الأَبْوَابِ الثَّمَانِيَةِ وَالعِشْرِيْنَ عَلَى هَذَا النَّسَقِ المُبيْنِ؛ لأنَّ البَيْتَ قَلَّمَا يَقَعُ إلَيْنَا أبَدًا إِلَّا عَازِبًا، شَرُوْدًا مُفْرَدًا. وَلَا بُدَّ فِي إثْبَاتِهِ مِنْ ضَابِطٍ يَمْنَعُ مِنَ التَّكْرِيْرِ، فَرَتَّبْنَاهُ عَلَى هَذَا النِّظَام وَالتَّقْريْر، سوَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفِ هُنَّ مِنْ بَابِ الأَلِفِ.
أحَدُهَا مَا أَوَّلُهُ: الحَمْدُ للَّهِ؛ فَإنَّا بَدَأْنَا بِهِ فِي صدُوْرِ الأَبْيَاتِ، وَنَسْتَفْتِحُ بِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الأَفْرَادِ السَّائِرَاتِ. وَذَلِكَ لِمَا وَقَعَ الاجْمَاعُ عَلَيْهِ مِنْ تَقْديْم الحَمْدِ فِي النُّطْقِ، وَكَمَا نُدِبَ إِلَيْهِ.
وَثَانِيْهُمَا ما أَوَّلُهُ: اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ؛ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ تِلْوَهُ، إِذْ كَانَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ كُلُّهُ لَهُ.