وَإنَّ العُلَا مَا لَمْ يُرَ الشِّعْرُ دُوْنَهَا ... لَكَالأَرْضِ عُطْلًا لَيْسَ فِيْهَا مَعَالِمُ

وَلَوْلَا خِلَالٌ سَنَّهَا الشّعرُّ مَا دَرَى ... بُغَاةُ النَّدَى مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى المَكَارِمُ (?)

وَمَا زَالَ الرِّجَالُ أَصحَابُ الهِمَمِ العَلِيَّةِ، وَالأَنْفُسِ القَوِيَّةِ الأَبِيَّةِ يَتَغَايَرُوْنَ عَلَى الفَضْلِ وَالكَرَمِ كَتَغَايُرِهِمْ عَلَى الأَهْلى وَالحُرَمِ. وَلَوْ كَانَ الشِّعْرُ نَقْصًا، أَوْ مِمَّا يَشِيْنُ صَاحِبَهُ، لَمَا تَنَافَسَ فِيْهِ المُلُوْكُ وَالأمَرَاءُ، وَلَمْ يَبْذُلُوا جَزِيْلَ أَمْوَالِهِمْ عَلَيْهِ حِيْنَ قَصَدَهُمُ بهِ الشُّعَرَاءُ، وَلَمَا جَازَ لِلسَّلَفِ مِنْ أَهْلِ الوَقَارِ وَالشَّرَفِ مَعَ جَلَالَةِ أَقْدَارِهِم، وَعَظِيمِ أَخطَارِهِمْ سَمَاعُهُ، فَضْلًا عَنِ عَمَلِهِ وَإِنْشَادِهِ وَالتَّمَثُّلِ بِهِ فِي الوَقَائِعِ المُهِمَّةِ، وَالحَوَادِثِ المُلِمَّةِ. وَمَا رَأَيْتُ أحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، وَالمُتَزَهِّدِيْنَ المُعْتَبَرِيْنَ ذَوِي المَنَاصِبِ وَالمَنَاقِبِ نَهَى عَنْهُ، وَلَا كَرِهَهُ، بَلْ كُلُّهُمْ يَسْتَجِيْدُهُ وَيَسْتَنْشِدُهُ، وَيَتَرَنَّمُ بِهِ وَيُنْشِدُهُ، وَيُكْرِمُ قَائِلَهُ وَيَرْفِدُهُ، وَيُجِيْزُهُ وَيَهَبُهُ، وَيَتَّقِيْهِ وَيَهَابَهُ. فَلِذَلِكَ لَهِجْتُ بِجَمْع مَا شَرَدَ مِنْهُ وَشَذَّ، وَسَارَ مَثَلًا، وَفَذَّ عَنْهُمْ وَعَنِ الخُلَفَاءِ وَالوُزَرَاءِ، وَالعُظَمَاءِ وَالأُمَرَاءِ، وَالعُلَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ مِنْ بَعْدِهِمْ (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015