وَقَالَ أَبُو عَمْرُو بن العَلَاءِ: مَا أَرَى الاجْتِلَابَ وَالاسْتِلْحَاقَ إِلَّا سَرَقًا.
وَقَدْ يَجْتَلِبُ الشَّاعِرُ البَيْتَ وَالبَيْتَيْنِ، وَالمَعْنَى وَالمَعْنَيَيْنِ مِنْ شِعْرِ شَاعِرٍ آخَرَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ الشَّاعِرُ مُخَاطِبًا لَهُ، وَكَانَ هُوَ مُجِيْبًا عَنْ مُخَاطَبَتِهِ، كَالَّذِي يُلْفَى فِي شِعْرِ جَرِيْرٍ وَالفَرَزْدَقُ، وَلَا يَرَى ذَلِكَ سَرَقًا، كَقَوْلِ الفَرَزْدَقِ يُخَاطِبُ جَرِيْرًا (?): [من الكامل]
وَتَرَكْتَ أُمَّكَ يا جَرِيْرُ كَأَنَّهَا ... لِلنَّاسِ بِارِكَةٌ طِرِيْقٌ مُعْمَلُ
فَاجْتَلَبَ هَذَا المَعْنَى جَرْيِرٌ رَادًّا عَلَيْهِ فَقَالَ (?): [من الكامل]
بَاتَ الفَرَزْدَقُ يَسْتَجِيْرُ بِجِعْثنٍ ... وَعِجَازُ جِعْثنَ كَالطَّرِيْقِ المُعْمَلِ
وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ جَرِيْرٌ إِعَادَةَ هَذَا المَعْنَى عَلَى طَرِيْقِ السَّرَقِ، وَلَوْ رَآهَ عَيْبًا لَمَا انْتَظَمَ عَلَيْهِ قَصِيْدَةً يُهَاجِي وَيُفَاخِرُ بِهَا شَاعِرًا كَالفَرَزْدَقِ. وَقَالَ الفَرَزْدَقُ فِي هَذِهِ القَصِيْدَةِ (?): [من الكامل]
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لنَا ... بَيْتًا دَعَائِمُهُ أعَزُّ وَأَطْوَلُ
فَقَالَ جَرِيْرٌ رَادًّا عَلَيْهِ: [من الكامل]
إِنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لنَا ... عِزًّا عَلَاكَ فَمَا لَهُ مِنْ مَنْقَلِ
وَمِثَالُ هَذَا قَوْلُ الرَّجُلِ للآخَرِ: أَنَا أعْلَى مِنْكَ بَيْتًا، وَأَسْنَى ذِكْرًا، فَيَقُوْلُ الآخَرُ:
بَلْ أَنَا أعْلَى مِنْكَ بَيْتًا، وَأَسْنَى ذِكْرًا. وَلَوْ رَأَى جَرِيْرٌ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَسَالِيْبِ الشِّعْرِ وَأَفَانِيْنِ الفَخَارِ أَنَّهُ عَيْبٌ وَسَرَقٌ؛ لتَنَكَّبَهُ وَلَا سِيَّمَا وَالفَرَزْدَقُ يَقُوْلُ لَهُ فِي هَذِهِ القَصِيْدَةِ: [من الكامل]
إِنَّ اسْتِرَاقَكَ يا جَرِيْرُ قَصائِدِي ... مِثْلُ ادِّعَاءِ سِوَى أَبِيْكَ تَنَقَّلُ (?)