وَالنَّارُ فِي أحْجَارِهَا مَخْبُوءَةٌ ... لا تُصْطَلَى إن لَمْ تُثِرْهَا الأزْنُدُ
وَالزَّاغِبيَّةُ لا يُقِيْمُ كعُوبَهَا ... إِلَّا الْثقافُ وَجِذْوَةٌ تَتَوَقدُ
غَيْرُ اللَّيَالِي بَادِيَات عُوَّدُ ... وَالمَالُ مُكْتَسَبٌ يُنَادُ وَيُنْفَدُ
وَلِكُلِّ حَالٍ مُعْقِبٌ وَلَربَّمَا ... أجْلَى لكَ المَكْرُوهُ عَمَّا يُحْمَدُ
وَالحَبْسُ مَا لَمْ تَغْشَهُ لِدَنِيَةٍ ... شَنْعَاءَ نِعْم المَنْزِلُ المُتَوَرِّدُ
بَيْتٌ يُجَدِّدُ للكَرِيْمِ كَرَامَةً ... وَيُزَارُ فِيْهِ وَلَا يَزُورُ وَيُحْمَدُ
لا يُؤيِسَنَّكَ مِنْ تَفَرُّجِ كُرْبَةٍ ... خَطْب رَمَاكَ بِهِ الزَّمَانُ الأنْكَدُ
كَمْ مِنْ عَلِيْلٍ قَدْ تَخَطَّاهُ الرَّدَى ... فَنَجَا وَمَاتَ طَبِيْبُهُ وَالعُوَّدُ
صَبْرًا فَإنَّ اليَومَ يَتْبَعُهُ غَدٌ ... وَيَدُ الخَلِيْفَةِ لا تُطَاوِلُهَا يَدُ
وَقَالَ عَاصِمٌ الكَاتِبُ مُعَارِضًا لابنِ الجهْمِ فِي هَذِهِ الأبْيَاتِ (?):
قَالُوا حُبِسْتَ فَقُلْتُ خَطْبٌ أنْكَدَا ... أخْنَى عَلَيْكَ بِهِ الزَّمَانُ المُرْصِدُ
لَو كُنْتُ كَالسَّيْفِ المُهَنَّدِ لَمْ أكُنْ ... وَقْتَ الشَّدَائِدِ وَالكَرِيْهَةِ أغْمَدُ
أو كُنْتُ كَاللَّيْثِ الهَصُورِ لَمَا رَعَتْ ... رَعْيِي الذّئابُ وَجَذْوتِي تَتَوَقَّدُ
مَنْ قَالَ إِنَّ الحَبْسَ بَيْتُ كَرَامَةٍ ... فَمُخَالِفٌ فِي قَوْلِهِ مُتَجَلِّدُ
مَا الحَبْس إِلَّا بَيْتُ كُلِّ مَذَلَّةٍ ... وَمَهَانَةٍ وَمَكارِهٌ لا تَنْفَدُ
إن زَارَنِي فِيْهِ الصَّدِيْقُ فَمُوجِعٌ ... يَذْرِي الدُّمُوعَ بِزَفْرَةٍ تَتَرَدَّدِ
أو زَارَنِي فِيْهِ العَدُوُّ فَشَامِتٌ ... يُبْدِي التَّفَجُّعَ تَارَةً وَيُفَنِّدُ
يَكْفِيْكَ أَنَّ الحَبْسَ بَيْتٌ لا تَرَى أحَدًا ... عَلَيْهِ مِنَ الخَلائِقِ يَحْسُدُ
فِي مُطْبقٍ فِيْهِ النَّهَارُ مُشَاكِلٌ ... لِلَّيْلِ وَالظُّلُمَاتُ فِيْهِ سَرْمَدُ
وَإِذَا نَهَضْتُ إِلَى الصلاةِ تَهَجُّدًا ... جَذَبت قُيُودِي رُكْبَتَيَّ فَأقْعُدُ
فَإلَى مَتَى هَذَا الشَّقَاءُ يُؤَكَّدُ ... وَإلَى مَتَى هَذَا البَلاءُ يُجَدَّدُ
يَا رَبِّ فَارْحَم وَحْدَتِي وَتَلافَنِي ... بِتَفَرُّجٍ إنِّي غَرِيْبٌ مُفْرَدُ