هَذَا مَثَلٌ مِنْ خُرَافَاتِ العَرَبِ:
زَعَمُوا أَنَّ الفِيْلَ وَالحِمَارَ تَجَمَّعَا فِي مَرْعًى فَطَرَدَ الفِيْلُ الحِمَارَ فَقَالَ: لِمَ تَطْرُدُنِي وَبَيْنَنَا رَحِمٌ؟ فَقَالَ الفِيْلُ: مِنْ أيْنَ الرَّحِمُ الَّتِي بَيْني وَبَيْنِكَ؟ فَقَالَ: مِنْ أجْلِ أَنَّ فِي غُرْمُولي شبهًا مِنْ خَرْطُومِكَ. فَقَبِلَ الفِيْلُ مِنْهُ هَذِهِ القَرَابَةَ وَسَارَ ذَلِكَ مَثَلًا.
يُقَالُ أَنَّ مُعَاوِيَة بن أَبِي سُفِيَانَ لَمَا ادَّعَى زِيَادَ ابنَ أبِيْهِ أخًا وَأدْخَلَهُ فِي نَسَبِ بَنِي أُمَيَّةَ شَقَّ ذَلِكَ عَليْهِم فَاجَتَمَعُوأ وَخَاطَبُوْهُ فِي ذَلِكَ فَغَضبَ غَضَبًا شَدِيْدًا حَتَّى كَادَ أنْ يَبْطُشَ بِهِم وَتَهَدَّدَهُم إِنْ عَادُوا وَخَاطَبُوهُ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ فِي زِيَادِ بنِ أَبِي سِفْيَانَ:
ألَا مَنْ مُبْلِغ عَنَّا ابنَ صَخْرٍ ... فقد ضاقَتْ بِمَا يَأتِي اليَدَانِ
أتَغْضَبُ أنْ يُقَالَ أبُوْكَ عَفٌّ ... وَتَرْضَى أنْ يُقَالَ أبُوْكَ زَانِ
فَأشْهَدُ أَنَّ رَحْمكَ مِنْ زِيَادٍ ... كَرحِمِ الفِيْلِ مِنْ وَلَدِ الأتَانِ
وَأشْهَدُ أَنَّهَا حَمَلَتْ زِيَادًا ... وَصَخْرٌ مِنْ سُمَيَّةَ غَيْرُ دَانِ
قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ مُعَاوِيَةَ هَذِهِ الأبْيَاتُ غَضِبَ وَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يُعْطِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَطَاءَهُ أوْ يَرْضى زِيَادٌ عَنْهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَن إِلَى العِرَاق فَأتَى زيَادًا وَأنْشَأَ يَقُولُ (?):
ألَا مَنْ مبلِغٌ عَنِّي زِيَادًا ... مُغَلْغَلَةً مِنَ الرَّجُلِ الهِجَانِ
مِنْ ابنِ القَومِ قرمُ بَنِي قُصَيٍّ ... إِلَى العَاصِ ابنِ آمِنَةَ الحَصَانِ
حَلَفتُ بِرَبِّ مَكَّةَ وَالمُصَلَّى ... وَبَالتَّوْرَاةِ أحْلُفُ وَالقُرْآنِ
لأَنْتَ زِيَادَةٌ فِي آل حَربٍ ... أحَبُّ إلَيَّ مِن وسطَي بَنَانِي
سُرِرْتُ بقُرْبِهِ وَفَرِحْتُ ... لَمَا أتَانِي اللَّهُ مِنْهُ بِالبَيَانِ
وَأَنْتَ أخٌ لنَا ثُمَّ ابْنُ عَمٍّ ... وَعَوْنُ اللَّهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ
كَذَاكَ أرَاكَ وَالأهْوَاءُ شَتَّى ... فَمَا أدْرِي بِغَيْبٍ مَا تَرَانِي