فَلأغْفِرَنَّ لَهُ الكَثِيْرَ ... مِنَ النُّوبِ السُّبَّقِ

حَتَّى جَنَايَتُهُ لِمَا فَعَل ... المَشِيْبُ بِمَفْرِقِي

كَانَتْ حَالُ الوَزِيْر المُهلَّبِيّ قَبْلَ الاتِّصَالِ بِالسُّلْطَانِ حَالُ ضعفٍ وَفَاقَةً وَفَقْرٍ وَكَانَ يُقَاسِي مِنْهَا قَذَى عَيْنِهِ وَشَجَى صَدرِهِ فَبَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَومٍ فِي بَعضِ أسْفَارِهِ مَعَ رَفِيْقٍ لَهُ مِن أهْلِ الأدَب وَقَد لَقَى مِن سَفرِهِ نصبًا وَاشْتَهى اللَّحْمَ فَلَمْ يَقدِر عَلَيْهِ فَقَالَ ارْتِجَالًا (?):

ألا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأشْتَرِيْهِ ... فَهذَا العَيْشُ مَا لا خَيْرَ فِيْهِ

إِذَا أبْصَرتُ قَبْرًا مِن بَعِيْدٍ ... وَدَدْتُ لَو أنَّنِي مما يَلِيْهِ

ألا رَحَمَ المُهيْمنُ نَفْسَ حُرٍّ ... تَصَدَّقَ بِالوَفَاءِ عَلَى أخِيْهِ

فَاشتَرَى لَهُ رَفِيْقُهُ بِدرهمٍ وَاحِدٍ مَا سَكَّنَ قرمَهُ وَحَفَظَ الأبْيَاتُ ثُمَّ افْتَرَقَا فَلَمَّا بِلَغَ المُهلَّبِيُّ دَرَجَة الوِزَارَةِ وَقَالَ: رَقَّ الزَّمَانُ لِفَاقَتِي. الأبْيَاتُ الأرْبَعُ حَصَلَ الرَّفِيْقُ المَذْكُورُ تَحتَ كَلْكَلِ الدَّهْرِ وَثَقُلَ عَلَيْهِ بَركُهُ وَبَاَضُهُ عَركُهُ فَقَصَدَ حَضْرَتَهُ وَتَوَصَّلَ فِي عَرَضِ رِقْعَةٍ تَتَضَمَّنُ أبْيَاتًا مِنْهَا (?):

ألا هَل لِلوَزِيْرِ فَدَتْكَ نَفْسِي ... مَقَالَةَ مُذْكِرٍ مَا قَدْ نَسِيْهُ

أتَذْكرِ إِذْ تَقُولُ لِضَنْكِ عَيْشٍ ... ألا مَوْتٌ يُبَاعُ فَأشْتَرِيْهِ

قَالَ فَلَمَّا نَظَرَ فِيْها عَرِفَهُ وَذَكَرَ قَولُ القَائِل (?):

إِنَّ الكِرَامَ إِذَا مَا أيْسَرُوا ذَكَرُوا ... مَن كَانَ يَألَفهُم فِي المَنْزِل الخَشِنِ

فَأمْرَ لَهُ بِسَبْعَةِ آلافِ درهم وَوَقَّعَ فِي رِقْعَتِهِ {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} ثُمَّ أحْضَرَهُ وَخَلَعَ عَلَيْهِ وَقَلَّدهُ عَمَلًا يَرتَفقُ بِهِ وَيُرزَقُ مِنْهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015