أبيَاتُ المُتَنَبِّيّ مِن قَصِيْدَةٍ يَهْجُو فِيْها إسْحَاق بنَ كَيْغَلَغَ، أوَّلُها:
لَهوَى النُّفُوسِ سَرِيْرةٌ لا تُعلَمُ ... عَرَضًا نَظَرْتُ وَخِلْتُ أنِّي أسْلَمُ
وَلَقَدْ رَأيْتُ الحَادِثَاتِ فَلا أرَى ... يَقَقًا يُمِيْتُ وَلَا سوَادًا يَعْمِمُ
وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسِيْمَ نَحَافَةً ... وَيُشِيْبُ نَاصيَةَ الصَّبِيُّ وَيُهْرِمُ
ذَو العَقِل يشقَى فِي النعيمُ بعقَله. البَيتُ بَعدهُ:
والنَّاسُ قَد نَبذُوا الحفَاظَ فمطِلقٌ ... يَنْسى الَّذي تُولى وَعَافٍ يندَمُ
لَا تَخدعنَّكَ منْ عَدُوٍّ دمَعَةٌ ... وَارَحَم شَبَابكَ من عَدُوّ تَرحَمُ
لَا يَسْلَمُ الشَرف الرفيعُ من الأَذَى ... حَتّى يُراقَ عَلَى جَوَانبهِ الدَّمُ
يُؤذى القليْلُ مِنَ اللئامِ بِطَبْعِهِ ... من لَا يقلُّ كَمَا يَقِلُّ وَيَلؤمُ
وَالظلم في شِيم النُفوس فَإِنْ ... تَجد ذَا عفَّةٍ فَلِعلَّةٍ لَا يَظْلِم
وَمِنَ البَليَّةِ عذلُ مِنْ لَا يرعوى ... عن جَهلِهِ وَخطابُ من لَا يَفهم
وَمنَ العَداوة مَا بِبَالِكَ نَفعهُ ... وَمنَ الصَّداقِةِ مَا يَضُرُّ ويُؤلم
أَفَعالُ من تلدُ الكِرام كَريمةٌ ... وَفِعَالُ مَنْ تَلِدُ الأَعاجم أعجم
وَالذلُّ يُظهِرُ فِي الذليل مودةً ... وأود مِنْه لمنُ يودُّ الأرقَمُ
ويقول منها في المحو:
يَمشي بِأَربَعةٍ عَلَى أَعَقَابِهِ ... تَحتَ العُلُوج وَمَن وَراء يُلْجمُ
وَجُفُونُه مَا تَستَقرُّ كأنَّها ... مَطروُفَة أَوفُتَ فيْها حِصْرِمُ
وَإِذَا أَشَارَ مُحدّثًا فَكَأنَهُ ... قِردٌ يُقَهْقِهُ أو عجوزٌ تَلطِمُ
حَقًا مُفَارَقةَ الأَكُفِّ قَذالُهُ ... حَتّى يَكادَ عَلَى يَدٍ يتعمَّمُ
وتَراهُ أصْغرَ مَا تَراهُ نَاطِقًا ... وَيكُونُ أكذبَ مَا يَكُونُ ويقسم
قالَ ابْنُ جنّى لمَّا سَمِعَ قَولَ المتنبِيّ فِي هذه القَصيْدة:
لَا يَسلَمُ الشرَفُ الرفيعُ مِنَ الأذى. البيتُ
أَشهدُ بِاللَّهِ أَنَّهُ لو لم يقلْ غيرَ هذا البَيتِ لقَدَّم بِهِ أَكْثَرَ شعراء المُحَدثينَ وَهذه