قد طبع من حسن الأخلاق، وسجاحة (?) الأعراق، وحسن البشر، وكرم الطّبع، وحياء الوجه، وحبّ الغرباء، على ما لا نراه متفرّقا في خلق كثير، وهو مع ذلك أعلم الناس بالأنساب والنّحو واللّغة والفقه والشّعر والأصول والنجوم. وقد تفرّد في مرو بالتصدّر لإقراء العلوم في منزله، ينتابه الناس على حسب أغراضهم، فمن قارئ للفقه، ومتعلّم للنّحو، ومصحّح للّغة، وناظر في النجوم، ومباحث في الأصول.
قال: ولمّا ورد الفخر الرازي إلى مرو، كان من جلالة القدر، وعظم الذّكر، وضخامة الهيبة، بحيث لا يراجع في كلامه، ولا يتنفّس أحد بين يديه لإعظامه، فدخلت إليه وطلبت منه أن أقرأ عليه، فقال لي: تصنّف لي كتابا في أنساب الطالبيّين لأنظر فيه، فلا أحبّ أن أموت جاهلا به، فقلت: تريده مشجّرا أم منثورا؟ فقال: المشجّر لا ينضبط، وأنا أريد شيئا أحفظه، فقلت له: سمعا وطاعة، ثم صنّفت له الكتاب المسمّى بالفخري، فلما وقف عليه نزل عن طراحته، وجلس على الحصير، وأمرني بالجلوس على الطراحة، فامتنعت تعظيما له، فزعق عليّ فجلست حيث أمرني، ثم قعد بين يديّ، وقرأ عليّ الكتاب، فلمّا أنهاه قال لي:
اجلس الآن حيث شئت، فأنت في هذا العلم شيخي، ومن لا يحترم من يقرأ عليه لا يفلح (?).
أصله من بلاد التّرك. كان إماما في علم اللّغة والأدب، وخطّه يضرب به المثل في الجودة يشبه خطّ أبي عبد الله ابن مقلة (?)، وكان من فرسان