فاضلا أديبا، وشاعرا مجيدا، إلا أنه كان مشتهرا بهجاء الأعيان والأئمة والأماثل، وكان الكلّ يتحامون لسانه، ويكرمونه [. . .] (?) وخوفا من هجائه. وحكي عنه أنه قال: لم يفلت أحد من هجائي إلا القاضي الإمام صاعد بن محمد، فإنّي كنت روّيت في نفسي أن أهجوه، فحيث تأمّلت في كثرة عبادته، وكمال فضله، ومرضيّ سيرته، فاستحييت من الله تعالى، وتركت ما أجلته في فكري (?).
وكان يظهر هجاء من يهجوه بخطّه المليح، ونظمه الفصيح، وقصائده في ذلك مشهورة. قلت: ولولا أنّي لا أحبّ أن أكتب لذكرت له ما يستحسن. وله مقطّعات في الغزل مأثورة، فمن شعره: [الطويل]
وذي شنب لو أنّ حمرة ظلمه … أشبّهها بالجمر خفت به ظلما
قبضت عليه خاليا واعتنقته … فأوسعني شتما وأوسعته لثما (?)
ولم أر له من التصنيف إلا شرح ديوان أبي عبادة البحتري (?)، ولا شكّ أنه شيء ابتكره، فإنّي ما رأيت هذا الديوان مشروحا، ولا تعرّض لشرحه أحد من أهل العلم فيما أعلم سواه، ولا سمعت أحدا قال: إنّي رأيت ديوان البحتريّ مشروحا. وهو شرح يدلّ على علم شارحه وفهمه، وما أرى له شيئا استعان به على ذلك إلا كتاب عبث الوليد للمعرّي، وكتاب الموازنة للآمدي، لا غير. وقد ذكر البحاثيّ هذا أبو منصور الثعالبيّ (?)، وأثنى عليه، وأورد له جملة من شعره.