كانت وفاة ابن الأنباريّ هذا في سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة في خلافة الراضي بالله عن نيّف وستين سنة.
من أهل المدينة، قدم بغداد وولي القضاء للمأمون أربع سنين. وكان عالما بالمغازي والسّير والفتوح، واختلاف الناس في الحديث وأحكامهم، وإجماعهم على ما أجمعوا عليه، وكان عظيم القدر في كثرة الرّواية والتصنيف لفنون العلم، جوادا، وقدره عند أهل المدينة عظيم، وكان أحفظ الناس لكلّ شيء إلا القرآن، فإنه لم يكن يحفظه (?).
وكان عليه دين وطولب به، فكتب إلى المأمون رقعة يسأله قضاء دينه، فكتب على رقعته: فيك خلّتان: السخاء والحياء، أمّا السخاء، فهو الذي أطلق على ما ملكته، وأمّا الحياء فهو الذي منعك من إعلامنا ما أنت عليه، وقد أمرنا لك بكذا وكذا، فإن كنّا أصبنا إرادتك في بسط يدك، وإلاّ فخزائن الله مفتوحة، وأنت كنت حدّثتني عن الزّهريّ، عن أنس، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال للزّبير: «يا زبير، باب الرّزق مفتوح، بإزاء العرش، ينزل الله إلى العباد على قدر نفقاتهم، فمن قلّل قلّل له، ومن كثّر كثّر له» (?). فقال الواقدي: وكنت نسيت هذا الحديث، فكان إذكاره إياي به أحبّ إليّ من جائزته، وكانت الجازية (?) مائة ألف درهم (?).