قال تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151] وهذا الحق واضح محدود لا غموض فيه ولا لبس، وقد حدده المصطفى صلى الله عليه وسلم: -والحديث رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود - قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة) هذه هي الحالات الثلاث: الحالة الأولى: القصاص، النفس بالنفس، والقصاص يقوم به ولي الأمر المسلم أو من ينوب عنه، إذ إن الأمر ليس متروكاً للأفراد حتى لا يتحول المجتمع إلى فوضى، والقصاص فيه حياة للمجتمع، إن قَتل قاتل ُقتل هذا القاتل؛ ليحيا المجتمع بأسره، فإن القاتل إن علم أنه سيقتل فسيفكر ألف مرة قبل أن يتطاول على الدماء وعلى النفس التي خلقها رب الأرض والسماء، فيحيا المجتمع كله بالقصاص.
وهل زل مجتمعنا إلا يوم أن ضيع شرع ربنا، وانتهك حدود الله سبحانه وتعالى؟! فأصبح المجتمع يعيش في فوضى، ولو وقفتم على حجم القضايا التي عرضت على المحاكم في العام الماضي لانخلعت القلوب، فإن عدد القضايا أمام المحاكم زاد على ثلاثين مليوناً من القضايا! عدد ضخم! يكاد أن يكون نصف الشعب لأن الحدود ضاعت، ولأن الظالم أو القاتل يستطيع بماله أو بسلطانه أن يقدم رشوة لرجل فاسق ضال مضل ويخرج من جريمته النكراء، والأمم لا تضيع إلا بهذه المجاملات الباطلة.
وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة يوم أن تقدم؛ ليشفع في امرأة مخزومية شريفة سرقت، وقال: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، إنما أهلك من كان قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).
القصاص حياة للمجتمع قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] فإن قتل القاتل يقتل.
الحالة الثانية: الثيب الزاني: الثيب: هو المحصن الذي رزقه الله بزوجة في الحلال الطيب، فترك امرأته، وراح يرتع في مستنقع الرذيلة الآسن العفن، فدنس العرض وانتهك الشرف، فهذا يقتل بالحجارة رجماً حتى الموت، وقد يستصعب الإنسان منا هذا الحكم، لكنه سيقول: يقتل ثم يقتل ثم يقتل إن مست كرامته أو انتهك عرضه أو دنس شرفه! الحالة الثالثة: الردة: الذي يترك دين الإسلام بعد أن منَّ الله به عليه فإنه يقتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس: (من بدل دينه فاقتلوه).
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي نحن بصدده: (التارك لدينه المفارق للجماعة).
هذه الحالات الثلاث التي يجوز فيها لولي الأمر المسلم، أو من ينوب عنه أن يسفك الدم، أما ما عدا ذلك فلا يجوز، فإن قتل النفس البريئة أمر تشيب له الرءوس.