ولقد ذهب أُبي بن خلف وقيل العاصي العاص بن وائل بعظامٍ باليةٍ -أيها الأحباب- يفتها بين يديه، وقد ذهب إلى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقال له: (يا محمد! أتزعم أن ربك يحيي هذه العظام بعد ما صارت رميماً -أتدرون ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ - قال له: نعم يميتك، ثم يبعثك، ثم يدخلك جهنم) فنزل قول الله جل وعلا: {أَوَلَمْ يَرَ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:77 - 79] جل جلال الله، الذي خلقك أول مرة من النطفة المهينة الحقيرة، أليس بقادرٍ على أن يبعثك مرةً أخرى؟! بلى وعزة ربنا إنه لقادر: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7].
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده بسندٍ حسن من حديث بشر بن جحاش القرشي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بصق يوماً على كفه ووضع النبي إصبعه عليها ثم قال: قال الله تعالى: يا ابن آدم! أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه -انتبه أيها الحبيب- حتى إذا سويتك وعدلتك، مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت منك التراقي قلت: أتصدق) وأنّ أوان الصدقة {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} [القيامة:36 - 39] أليس ذلك بقادر! قولوا: بلى وعزة ربنا كما قالها قتادة رضي الله عنه: {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:40] بلى.
وفي الحديث الذي رواه البخاري من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك) أسمعت أيها الحبيب! الله جل وعلا يقول: (كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك) كذبت ربك يا ابن آدم! وشتمت ربك يا ابن آدم! صاحب الفضل والإنعام والإكرام والإحسان!!: (كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ابن آدم ولم يكن له ذلك، أما تكذيبه إياي فقوله: إن الله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} [البقرة:116]) وأنا الأحد الصمد، الذي لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد.
جل جلال الله، كذب الإنسان ربه بقوله: لن يبعثني الله جل وعلا، وشتم الإنسان ربه بقوله: بأن الله جل وعلا قد اتخذ ولدا، ورحم الله إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد يوم أن كان ينظر إلى نصرانيٍ -ولا تقولوا مسيحي- يوم أن كان ينظر إلى نصراني فيغمض عينه، ويصرف بصره عنه، ويقول: إني لا أطيق أن أرى من سب الله جل وعلا!! سبوا الله مسبةً عظيمة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73] {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:72] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].