بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعني مع حضراتكم في هذا البيت الكريم المبارك على طاعته، أن يجمعنا جميعاً مع سيد النبيين في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! في رحاب الدار الآخرة، سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق، وبين التأصيل العلمي والأسلوب الوعظي، أقدمه الآن لنفسي وإخواني وأخواتي من المسلمين والمسلمات في عصر طغت فيه الماديات والشهوات، وانصرف فيه كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات، لعل الغافل أن يتنبه، ولعل النائم أن يستيقظ، قبل أن تأتيهم الساعة بغتة وهم يخصمون، فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون وهذا هو لقاؤنا السابع من لقاءات السلسلة الكريمة، ولا زلنا بحول الله ومدده نتحدث عن العلامات الكبرى للساعة، والتى ذكرها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح الذي رواه مسلم من حديث حذيفة بن أسيد الغفارى رضي الله عنه قال: (اطلع علينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر فقال المصطفى: ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة يا رسول الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات وهي: الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم).
وقد تكلمنا في اللقاءات الماضية على التوالي عن: الدجال، وعن نزول عيسى عليه السلام، وعن يأجوج ومأجوج، وسأتحدث اليوم -إن شاء الله تعالى- عن بقية العلامات الواردة في الحديث؛ نظراً لأن المادة العلمية الصحيحة في بقية هذه العلامات مادة قليلة مقتضبة.
العلامة الرابعة: طلوع الشمس من مغربها الشمس منذ أن خلقها الله عز وجل تشرق من المشرق وتغرب في المغرب، بصورة متكررة منتظمة لا تتخلف يوماً ولا تتأخر، بصورة تطالع الأنظار والمدارك؛ لتستنطق الفطرة السوية للإنسان بوحدانية الرحيم الرحمن، قال جل وعلا: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40].
آية من الآيات التي تستنطق الفطرة السليمة النقية بوحدانية الله جل وعلا، علامة بارزة على قدرة الله.
ولذا نرى نبياً من أنبياء الله -وهو خليل الله إبراهيم- قد تحدى بهذه الآية العظيمة طاغية من طواغيت أهل الأرض، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258] رد النمرود بن كنعان الطاغية المجرم على إبراهيم فقال: (أنا أحيي وأميت) ولكن أين يذهب هذا الغر الجاهل بحجته الفاسدة أمام نبي من أنبياء الله؟! فقال له الخليل: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:258].
فالشمس منذ خلقها الله تشرق من المشرق وتغرب في المغرب بصورة منتظمة متكررة، لا تكاد تتخلف أو تتأخر يوماً من الأيام، حتى إذا جاء الوعد الموعود استأذنت الشمس ربها أن تشرق كعادتها من المشرق فلا يأذن لها.