أيها الأحباب الكرام اعلموا علم اليقين أن نعيم الجنة الحقيقي ليس في لبنها، ولا في ثمرها، ولا في حريرها، ولا في عسلها، ولا في بنائها، ولا في قصورها، ولا في حورها، ولكن نعيم الجنة الحقيقي في رؤية وجه ربها: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:22 - 25] {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] والحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي التمتع بالنظر إلى وجه رب الجنة جل وعلا, هذه هي غاية المنى، وهذا هو غاية المراد، أن نتمتع بالنظر إلى وجه رب الأرباب جل وعلا, إلى النظر إلى وجه الكريم التواب عز وجل, والحديث رواه أكثر من عشرين صحابياً من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين والسنن والمسانيد.
وهذه رواية الإمام مسلم عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة ينادي عليهم رب العزة جل وعلا ويقول: يا أهل الجنة! هل أزيدكم شيئاً؟ فيقول أهل الجنة: يا رب! وأي شيء تزيدنا؟ ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة؟ ألم تنجنا من النار؟ فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أعظم من النظر إلى وجه الكريم التواب) وفي حديث آخر أخرجه الإمام البخاري وأخرجه الإمام مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ما دخل أهل الجنة الجنة نادى عليهم رب العزة جل وعلا وقال: يا أهل الجنة! يا أهل الجنة! فيقول أهل الجنة: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك, فيقول لهم ربنا: يا أهل الجنة! إني قد رضيت عنكم فهل رضيتم عني؟ فيقولون: سبحانك ربنا وما لنا لا نرضى وقد أدخلتنا الجنة, وبيضت وجوهنا، ونجيتنا من النار؟ فيقول الله جل وعلا: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقول أهل الجنة: وأي شيء أفضل من ذلك يا ربنا؟ فيقول الله جل وعلا: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً) هذا هو النعيم الأبدي, وهذه هي غاية المنى والمراد.
فيا أيها الأحباب إن أعلى نعيم الجنة هو أن نتمتع بالنظر إلى وجه الله عز وجل؛ لأن الله سبحانه سيكلمنا ليس بيننا وبينه ترجمان، والحديث في صحيح البخاري: عن عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر العبد أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم, وينظر العبد أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم, وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه, فاتقوا النار ولو بشق تمرة).
هذه هي الجنة، والحديث عن الجنة طويل, وهذا كل ما سمعتموه إنما هي قطرة من محيط, وإنما هو قليل من كثير, لماذا؟ لأن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر, وهذا كله ما هو إلا تقريب للمعاني وتقريب للكلمات، ويعجبني الكلام الذي قاله أحد العلماء، حينما استقبل في قصر من قصور الضيافة في أمريكا، وانبهر الناس من حول هذا العالم بهذا البناء والإعداد, نظروا إلى أعلى وإلى أسفل وانبهروا بهذا الإعداد, فقال لهم هذا العالم: هذا إعداد البشر للبشر، فما بالكم بإعداد رب البشر, ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه