أمة النبي أمة مرحومة أمة النبي أمة ميمونة.
قال الشاعر: ومما زادني فخراً وتيهاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمد لي نبيا اسجد له شكراً أنك من أمة الحبيب محمد، فأمة المصطفى أمة مرحومة أثنى عليها ربها، وأثنى عليها نبيها صلى الله عليه وسلم.
قال الله لها: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، وقال الله لها: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] وقال في حقها المصطفى الصادق -والحديث رواه الترمذي وأحمد وابن ماجة بسند حسن: (أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله جل وعلا).
بل وفي صحيح البخاري من حديث أبي سعيد الخدري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدعى نوح يوم القيامة، فيقال له: يا نوح! هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، يا رب! فيدعى قومه، ويقال لهم: هل بلغكم نوح؟ فيقول قوم نوح: لا، ما بلغنا، وما أتانا من نذير، فيقول الحق جل وعلا -وهو أعلم-: من يشهد لك يا نوح! أنك بلغت قومك؟ فيقول نوح: يشهد لي محمد وأمته، يقول المصطفى: فتدعون، فتشهدون له بالبلاغ، ثم أدعى فأشهد عليكم.
وذلك قول الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]) بل ومن الأحاديث الممتعة التي تبين فضل السابقين واللاحقين من أمة سيد النبيين: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبى هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة يوماً -أي: لزيارتها- فقال: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، أنتم السابقون وإنّا -إن شاء الله- بكم لاحقون.
ثم قال الحبيب: وددت أنَّا قد رأينا إخواننا.
فقال الصحابة: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا قوم لم يأتوا بعد.
فقال الصحابة: فكيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال المصطفى: أرأيتم لو أن رجلاً له خيلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَة -والغرة: الشعر الأبيض في جبين الفرس، والتحجيل: الشعر الأبيض حول ساق أو قدم الفرس يخالف لون الشعر في الفرس كله، كأن يكون الفرس أسود اللون فالغرة تكون باللون الأبيض- بين ظَهْرَي خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ -أي: سود- ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى، يا رسول الله! فقال المصطفى: فأنا أعرفهم يوم القيامة غراً محجلين من أثر الوضوء) فأمة النبي أمة مرحومة.
أما حينما خاف الصحابة، وقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟! فقال: أبشروا! فمن يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعة وتسعون ومنكم واحد؛ فإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين الطبيعة الشريرة والسيئة لهاتين الأمتين الخبيثتين: يأجوج ومأجوج، وليبين المصطفى في الوقت ذاته الطبيعة الخيرة الكريمة المباركة لأمة الحبيب محمد، نسأل الله عز وجل أن يحشرنا وإياكم جميعاً تحت لوائه، وأن يسقينا بيده الشريفة شربة هنيئة ولا نظمأ بعدها أبداً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أزيدك بياناً عن طبيعة يأجوج ومأجوج بعد أن أقف -مع حضراتكم- مع هذا الحوار الجميل بين ذي القرنين، وقوم تعرضوا للفساد والإيذاء على أيدي يأجوج ومأجوج، وهذا هو عنصرنا الثالث بإيجاز.