تدبر وصف النبي المختار صلى الله عليه وسلم لهذه النار وهي تأتي يوم القيامة، والحديث رواه مسلم من حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها).
أرجو أن تتصور هذا المشهد الذي يخلع القلب -والحديث في أعلى درجات الصحة- (يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)، وإذا رأت جهنم الخلائق زفرت وزمجرت غضباً؛ لغضب القهار الجبار جل وعلا، قال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان:12]، جهنم ترى يوم القيامة، جهنم تسمع يوم القيامة، جهنم تتكلم يوم القيامة قال تعالى: {إِذَا رَأَتْهُم مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا} [الفرقان:12]، بل وتظل جهنم تنادي وتقول: هل من مزيد؟ سلم يا رب! هل من مزيد من الكفرة؟ هل من مزيد من المنافقين؟ هل من مزيد من المشركين المجرمين؟ وتظل تنادي وتقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ حتى يأذن ربها جل وعلا أن تمتلئ، ففي الحديث الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول: قد امتلأت بعزتك وكرمك!)، قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ * يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:24 - 30].
فتظل جهنم تصرخ على أهل الكفر: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه -بلا تعطيل ولا تكييف: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]- فتقول: قط قط، قد امتلأت بعزتك وكرمك! تكاد القلوب أن تنخلع أيها المسلمون! إذا ما وقفنا على شيء يسير جداً من هول العذاب في النار.
وهذا هو عنصرنا الثاني.