الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: يا ترى من هو آخر رجل يمر على الصراط؟ وكيف يكون حاله وهو آخر رجل يدخل الجنة من أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم؟! وحديثه الجميل رواه الإمام مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، تدبر معي كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (آخر رجل يدخل الجنة رجل يمشى مرة -أي: يمشي على الصراط مرة- ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، يمشي ثم يتكفأ فيسقط فتسفعه النار)، ولكنه يحاول ويجاهد ليمر على الصراط، فإذا نجاه الملك جل وعلا وعبر الصراط، التفت إلى النار تحت الصراط تضطرم، ثم قال: (تبارك الذي نجاني منك وأعطاني ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين!) نعم {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] إي وربي فقد فاز، يلتفت ويقول: تبارك الذي نجاني منك وأعطاني ما لم يعط أحدا من الأولين والآخرين.
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (فترفع له شجرة)، أي: يرفع الله له شجرة، أيها الحبيب! أرجو أن تتصور وتتخيل شجرة غرس كرامتها ملك الملوك جل وعلا! (فترفع له شجرة من شجر الجنة، فيقول العبد: أي رب! أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها ولأشرب من مائها.
فيقول الله للعبد: فلعلي إن أعطيتكها ستسألني غيرها، يقول: لا أسألك غيرها، فيدنيه الله منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها -يقول المصطفى-: فترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول العبد: أي رب! أدنني من هذا الشجرة لأستظل بظلها ولأشرب من مائها.
فيقول الله: يا ابن آدم ألم تعاهدني ألا تسألني غيرها؟! -أي: غير الأولى- فيقول: هذه لا أسألك غيرها.
فيقول: إن أعطيتكها ستسألني غيرها.
فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيرها، فيقربه الله منها، يقول المصطفى: وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيقربه الملك فيستظل بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة على باب الجنة هي أحسن من الأوليين فيقول: أي رب! أدنني من هذه الشجرة، فيقول الله: ألم تعط العهود ألا تسألني غير الذي سألت؟! فيقول: هذه لا أسألك غيرها، فيقربه الله منها فيستظل بظلها ويشرب من مائها، فيسمع أصوات أهل الجنة في الجنة فيقول: أي رب! أدخلني الجنة، فيقول الله جل وعلا: يا ابن آدم ما الذي يرضيك مني؟ ثم يقول: أيرضيك أن أعطيك -أي: في الجنة- الدنيا ومثلها معها فيقول العبد: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! هنا ضحك عبد الله بن مسعود، وسأل أصحابه: لم لا تسألوني مما أضحك؟ فقالوا: مم تضحك يا ابن مسعود؟ قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه مم تضحك يا رسول الله؟ قال: أضحك لضحك رب العزة جل وعلا، يضحك رب العزة من عبده إذا قال: أتستهزئ بي وأنت رب العالمين؟! فيضحك الله من عبده -لا تعطل ولا تكيف ولا تمثل ولا تشبه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]- فيضحك رب العزة من عبده ويقول له: أنا لا أستهزئ بك ولكني على ما أشاء قادر)، وفي رواية أبي سعيد في صحيح مسلم يقول: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يقول الله للعبد أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟)، وفي رواية أبي سعيد: (أيرضيك أن أعطيك الدنيا وعشرة أمثالها معها؟) ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.