أذكر نفسي وأحبابي ببعض الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة، وهذا هو عنصرنا الثالث والأخير.
من أعظم الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة حسن الخلق، فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذي).
آه من الحديث عن حسن الخلق! ما أحوج الأمة بحكامها وعلمائها وشيوخها ودعاتها ورجالها ونسائها وشبابها إلى حسن الخلق! فإن حسن الخلق الآن منهج نظري منير، ونرى بوناً شاسعاً رهيباً بينه وبين سوء خلق كمنهج واقعي عملي مرير.
فأين أخلاق الإسلام؟!! أين أخلاق محمد عليه الصلاة والسلام؟! فما أيسر التنظير يا إخوة! أقول: إن أرفف المكتبات في بيوتنا وفى مدارسنا وجامعاتنا تئن بأطنان المجلدات، التي سطر فيها المنهج النظري المشرق المنير، ولكن لو فتشت في واقع الأمة، ونظرت نظرة سريعة إلى أحوال الناس؛ لرأيت بوناً شاسعاً بين هذا المنهج النظري المنير وبين الواقع المؤلم المر المرير.
فأين الصدق؟! أين الإخلاص؟! أين الأمانة؟! أين الرفق؟! أين الحلم؟! أين العفو؟! أين الصلة؟! أين البر؟! أين الرجولة؟! أين الشهامة؟! أين الكرامة؟! أين الحياء؟! أين أخلاق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؟! والله! والله! إني لأتهم نفسي كما قال عز وجل: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] ويرن في أذني الآن قول القائل: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي والطبيب عليل فأسأل الله أن يستر علي وعليكم، وأن يردني وأن يردكم وأن يرد الأمة كلها إلى الخلق الجميل رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ما أحوجنا إلى محاسن الأخلاق! وما أحوجنا إلى مكارم الأخلاق! يا شباب! أيها المسلمون! أقول دائماً: لقد نجح المصطفى صلى الله عليه وسلم في أن يقيم للإسلام دولة من فتات متناثر وسط صحراء تموج بالكفر موجاً، فإذا دولة الإسلام بناء شامخ لا يطاوله بناء، نجح المصطفى في ذلك يوم أن طبع عشرات الآلاف من النسخ من المنهج التربوي الإسلامي العظيم، ولكنه لم يطبعها بالحبر على صحائف الأوراق، وإنما طبعها على صحائف القلوب بمداد من النور، فحول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المنهجَ الأخلاقي الإسلامي إلى واقع عملي، يتألق سمواً وروعةً وجلالاً في دنيا البشر، فذهلت البشرية بهذا المنهج.
لكنني أقول: إن أعظم حجر يقف الآن في سبيل الإسلام في الشرق والغرب هو أخلاق المسلمين، فإن الرجل في الشرق والغرب ينظر إلى المسلمين هناك، فيرى المسلم يزني، ويبيع الخنزير، ويشرب الخمر، ولا يحافظ على الصلوات، فينظر هذا الرجل إلى هذا المسلم الذي يتغنى بالإسلام، فيرى أنه قد يفوقه خلقاً سيئاً، فالحجر الكئود والعقبة الكئود في طريق الزحف الإسلامي في الشرق والغرب هي أخلاقنا إلا من رحم ربنا.
نسأل الله أن يجعلنا جميعاً ممن رحم فحسن خلقه، ولذلك يقول المصطفى: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق) وأرجو أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (في ميزان المؤمن) وأرجو أن ننتبه لهذه اللطيفة وهي: أن الإيمان أصل سابق، إذ لو جاء كافر عند الله بأخلاق حسنة فإنها تنفعه في الدنيا، لكنها لا تنفعه في الآخرة؛ لأن الأصل مفقود، ألا وهو الإيمان بالرب المعبود، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق).
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أكمل المؤمنين إيماناً فقال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً).
بل لقد جاء في الحديث الذي رواه أبو داود وابن حبان وغيرهما، من حديث عائشة بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).
وأصحاب الأخلاق العالية من أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن من أحبكم إلي، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً).
اللهم ارزقنا الأخلاق الكريمة الحميدة يا رب العالمين! ومن أعظم الأعمال التي تثقل الميزان يوم القيامة أيضاً أيها الأخيار! ما ذكره المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض).
فهل تعجز عن هذا؟! والحديث في صحيح مسلم.
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس).
وأختم بهذا الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: قال: المصطفى صلى الله عليه سلم: (من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).
لكن أرجو أن يردد اللسان، وأن يصدق الجنان، وأن تترجم الجوارح والأركان.
أسأل الله جل وعلا أن يثقل موازيننا يوم نلقاه، في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.
أحبتي في الله! ماذا بعد الميزان؟! الجواب في الجمعة القادمة بإذن الله جل وعلا، أسأل الله أن يجمعنا بكم دائماً على الخير والطاعة؛ إنه ولي ذلك وموالاه.
اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك، اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك، اللهم ثقل موازيننا يوم نلقاك.
اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تهنا، وكن لنا ولا تكن علينا.
اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض.
اللهم استرنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.