القول الثاني: أن الذي يوزن في الميزان هو العامل نفسه، وليس الأعمال.
واستدل أصحاب هذا الفريق بأدلة صحيحة كذلك، منها: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنه ليأتي الرجل السمين العظيم فلا يزن عند الله يوم القيامة جناح بعوضه) أي: أنه يؤتى برجل سمين عظيم منتفخ يوم القيامة فيوضع في الميزان فلا يزن عند الله جناح بعوضة؛ إذ إن الموازين إذا وضع فيها العباد لا تخف ولا تثقل بحسب ضخامة الأبدان وكثرة الشحم والدهن، وإنما تثقل وتخف بحسب الحسنات والسيئات.
وأقول: من الظلم أن نحكم قانون الدنيا في قوانين الآخرة، أو في عالم الآخرة، ومن المعلوم في موازين الدنيا أن الرجل السمين العظيم إذا صعد على الميزان يثقل، فإن وضع في الكفة الأخرى رجل نحيف هزيل فإنه يخف، لكن موازين الآخرة تختلف؛ فيوضع في الميزان الرجل السمين العظيم الذي ملأ بطنه بالحرام، والذي ملأ بطنه بأموال الناس بالباطل، والذي ملأ بطنه بأموال اليتامى ظلماً وبهتاناً، والذي ملأ بطنه بالرشوة وأكل الحرام، يوضع في الميزان مع أنه منتفخ، فلا يزن عند الله جناح بعوضة.
وفي المقابل يؤتى برجل نحيف خفيف لو وضع في كفة، ووضع جبل أحد في كفة؛ لرجحت كفة هذا الرجل، وهذا مثل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فإنه كان رجلاً ضعيف البنية، لكنه قوي الإيمان، كان رجلاً خفيف الجسم، لكنه ثقيل الأعمال، كما في الحديث الذي تفرد به الإمام أحمد في مسنده بسند جيد قوي كما قال الحافظ ابن كثير وغيره، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (صعد ابن مسعود رضي الله عنه يوماً على شجرة أراك يجني سواكاً، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟! قالوا: نضحك من دقة ساقيه يا رسول الله! فقال: والذي نفسي بيده! لهما أثقل في الميزان من جبل أحد).
فهذه أدله أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن الذي يوزن في الميزان هو العبد.