إنهم قوم حققوا التوحيد لله وتركوا الشرك كله دقه وجله، وأنزلوا حوائجهم كلها بالله سبحانه، ولم ينزلوها بأحد من خلقه مهما كان، فهم لا يتطيرون -أي: لا يتشاءمون- فلقد كان من عادة العرب في الجاهلية أن يأخذ أحدهم طيراً فيطيره فإن طار الطائر يميناً استبشر هذا الرجل بسفره وقال: إذاً نسافر، فإن طار الطائر يساراً تشاءم الرجل وقال: إذاً لا أخرج من بيتي ولا أسافر، فجاء الإسلام ليقضي على هذه الطيرة وعلى هذا التشاؤم، وليعلم الناس أن الضار النافع هو الله وأن الأمور كلها بيد الله سبحانه وتعالى، فهم لا يتشاءمون بمكان ولا بزمان؛ لأنهم يعلمون أن خالق الزمان والمكان هو الله، وأن الذي يدبر أمر الزمان والمكان هو الله، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:154]، فلا يدبر الأمر نبي، ولا يدبر الأمور ولي، ولا يدبر الأمور إلا الملك العلي كما في حديث ابن عباس: (يا غلام! إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).
يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله وإن بليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله الله يحدث بعد العسر ميسرة لا تجزعن فإن الصانع الله والله ما لك غير الله من أحد فحسبك الله في كل لك الله وقوله: (ولا يكتوون ولا يسترقون)، أي: لا يطلبون الكي ولا الرقية من أحد.