هناك آداب لزيارة المريض وعيادته، وتجد أن أغلب زياراتنا فيها غيبة ونميمة ونقل لأسرار البيوت، وكلام النساء مع بعض، والرجال مع بعض، وهذه من الأمور المحرمة، فأيما رجل حدث أصدقاءه بما يحدث بينه وبين زوجته، أو العكس: الزوجة تكلم صديقاتها بما يحدث بينها وبين زوجها، فكأنما شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المسلمة أن تنعت صاحبتها لزوجها، يعني: تذهب المرأة وتقول لزوجها: هذه فلانة شعرها ناعم وجميل، فهذا حرام حرام حرام.
فإذا مرض المسلم صار قريباً من الله؛ لأن المرض يرقق القلب ويجعله قريباً من الله، وأما العبد المفتري العاصي الصحيح القوي فتراه يتكبر، لكن انظر إليه عندما يصير كبيراً في السن ويمشي على عكاز فتجده كثير الذكر لله متواضعاً متخلقاً مع الناس، وكان من ثلاثين سنة يشتم هذا ويضرب هذا ويسجن هذا ويؤذي هذا! نعود إلى موضوعنا: إذا زرتم المريض فنفسوا عنه، وذلك بأن تقول له: إن شاء الله تنجح العملية وتشفى سريعاً وترجع لأولادك، وهذا لا يرد من قضاء الله شيئاً، ولكنه يطيب نفس المريض، فلو أن طبيباً مسلماً دخل على مريض ورأى أن حالته ميئوس منها، وأهل المريض ينظرون إلى هذا الطبيب ماذا يقول، فقال الطبيب المسلم وهو مبتسم: إن شاء الله المريض في خير، نحن مجرد وسيلة وسبب، والشافي المعافي هو الله سبحانه وتعالى، ويطيب نفس المريض بكلمتين طيبتين، لكن لو أن الطبيب يريد أن يعظم الأمر ويضخمه لأتى بمصائب الدنيا كلها، وقد ذكرت لكم في حلقات الدار الآخرة أن ضابطاً قال لصحابه: ما بك؟ قال له: يحصل لي ضيق في صدري حتى ما أقدر أن آخذ نفسي، فقال له صاحبه: هذا نفس المرض الذي مات بسببه أبي في الشهر الماضي، سبحان الله! فمثل هذا يعطي اكتئاباً لصاحبه.
إذاً: إذا زرتم المريض فنفسوا عنه مصيبته، فأنت عندما تذهب إلى المريض تقعد عنده دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث دقائق وخمس دقائق فقط؛ بخلاف السليم فإنه حين يزار تطول الجلسة معه ولا حرج في ذلك، أما المريض فلا، وإنما تبقى عنده دقيقتين أو ثلاثاً أو خمس دقائق تدعو فيها للمريض بالشفاء، وترقيه الرقية الشرعية وتخرج.
وأما ثواب الزيارة فقد ورد فيها عدة أحاديث منها: (من زار مريضاً فاضت الرحمة من مفرق شعره إلى أخمص قدميه، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يعود) ومن زار المريض وجد الله عنده، ودعاء المريض مستجاب، والدعاء عند المريض مستجاب، وربنا من رحمته فإنه يسمع الملائكة أنين المريض، فإذا قال: آه آه سمعوه يقول: الله الله، فكتبوا ذلك، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى.
والمريض الذي كان مواظباً على حضور دروس العلم وصلاة الجماعة فإنه يكتب له كل ذلك؛ لأن الذي حبسه هو المرض، وإذا شفاه الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ ولذلك كان الصحابة يحبون المرض، قال سيدنا أبو ذر: أحب الجوع، وأحب المرض، وأحب الموت، إذا جعت رق قلبي، وإذا مرضت خف ذنبي، وإذا مت لقيت ربي.
هكذا حال العبد الصالح.
أما الرقية الشرعية فيحرم أن تعلق آية الكرسي أو آية معينة في رقبتك، أو الزوجة؛ لأنه جاء في الحديث: (من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له)، والتميمة والودعة من الشرك.
كذلك تعليق خرزة زرقاء مكتوب عليها آيات؛ من أجل دفع الحسد، كل هذا حرام.
وكذلك جعل المصحف تحت رأس الولد لا يجوز، بل يحرم أن نضع فوق المصحف أي شيء أبداً؛ لأن المصحف يعلو ولا يعلى عليه، ولا تضع في المصحف ورقة مكتوب فيها، وإنما تضع فيه ورقة بيضاء وليس هناك حرج؛ لكي تعلم أين وصلت في القراءة، أو تضع خيطاً نظيفاً.
أيضاً لا تكتب اسمك على المصحف؛ لأن اسمك لو كتبته عليه لصار فوق اسم الله سبحانه وتعالى، فتكون كمن اتخذ المصحف وراءه ظهرياً، أي: كأنك ألقيت كتاب الله خلف ظهرك.
كذلك عندما تضع المصحف معك في السيارة ولا تقرأ فيه أبداً، وإنما وضعته حرزاً للسيارة فهذا لا يجوز؛ لأن المصحف للقراءة والعمل.
وكذلك بعض الناس يضعون في حجر الأساس سواء لمصنع أو شركة أو محل أو مبنى أو دار أو سينما يضعون من هذا المصحف، وهذا لا يجوز، ولو كان بيدي الأمر لقطعت يده، كيف يضع المصحف وسط طوب وأسمنت والناس تمشي من فوقه! وبعضهم يضعون في عتبة البيت ووسط الخرسانة مصاحف، هذا استهزأ بكتاب الله! والمصحف يعلو ولا يعلى عليه.
إذاً: نزور المريض وندعو له بالشفاء، ولا نطيل الجلوس عنده؛ حتى نخفف عنه.
وهناك أدعية تقال عند المريض، منها: أن تضع السبابة في فمك ثم تضعها على الأرض ثم تضعها على جسد المريض الذي فيه الوجع، وترقيه، والرجل يرقي الرجل، والمرأة ترقي المرأة، ويجوز للرجل أن يرقي زوجته وابنته وعمته وخالته وجدته وغيرهن من محارمه، وكذلك يجوز للمرأة أن ترقي أختها وبنت أختها وابن أختها وابن أخيها وأخاها وعمها وخالها وجدها؛ لأن هؤلاء محارم لها، لكن المرأة لا ترقي أخا زوجها؛ لأنه أجنبي عنها.
إذاً: تضع السبابة على فمك وعلى الأرض وعلى الجزء المريض وتقول أربع كلمات: باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا.
أو تدعو للمريض وتقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً.
أو تقول: كما أن رحمتك في السماء فأنزل رحمتك إلى الأرض، أنزل على هذا المريض رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك.
جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.