الله عز وجل قد يبتلي الإنسان منا في الدنيا بمرض أو مشكلة أو بزوجة بذيئة اللسان، أو بزوج سليط متطاول أو بجار سيئ أو مدير في العمل يؤذيه، أو عامل عندك أو موظف يخونك في مالك وفي عملك، وقد تكون هذه الابتلاءات ليست لأن الله عز وجل يكره هذا العبد، فإنما أكثر الناس بلاءً الأنبياء فالأولياء فالأمثل فالأمثل، إذْ يصاب المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان إيمانه قوياً قال: يا جبريل! صب البلاء على عبدي فلان صباً، فيصبه، ثم يقول: ماذا صنع عبدي؟ فيقول: يا رب حمدك واسترجع، فيقول الله عز وجل: أعد عليه، صب البلاء مرة أخرى فإني أحب أن أسمع صوته، والإنسان المسلم لو مر عليه -كما قلنا- أربعون يوماً لا يبتلى بمشكلة ولا مصيبة ولا بلية رغم سيره في طريق الله عز وجل، يجب -كما قلنا- أن يعيد حساباته مرة أخرى وأن يحدد المسار؛ لأنه بعيد عن رب العباد سبحانه.
(ودخل أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلاً يقول: يا رسول الله! أصابتني أم ملدم)، وأم ملدم: الحمى، (فقال الأعرابي: وما أم ملدم)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أصابتك حمى من قبل؟ قال الأعرابي: كلا، أما صدعت رأسك، قال: كلا)، أي: لم يصب بحرارة ولم يصب بالصداع فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يبتلَ فهو شيطان).
وقلنا: إن الابتلاء ثلاثة أنواع، فأنت تمشي في طريق الله عز وجل وتتدرج في طاعة الله عز وجل وتحاول أن تتجنب محارم الله سبحانه، ورغم ذلك تبتلى، فهذا اسمه رفع درجات.
فالله عز وجل يرفع المبتلى درجات؛ وقد كانت السيدة عائشة تقول: وارأساه، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (وأنا وارأساه يا عائشة!) أي: أنا كذلك رأسي يؤلمني، قالت: (أتوعك أنت يا رسول الله؟! قال: أوعك كما يوعك رجلان من أمتي ليضاعف لي الثواب عند الله يوم القيامة)، يعني: إن كنت تحس بالألم ثلاثين درجة فالحبيب يحس ستين درجة، وإذا كنت تحس بالألم مائة درجة فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ينازع، فكانت الروح توشك أن تغادر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالسيدة عائشة رأته وهو يتمتم بكلمات، علمت أنه يقرأ الفلق والناس حتى طلع الفجر، ولم يكن ينم أبداً حتى يقرأ بهن ثلاث مرات ويمسح بها وجهه وما استقبل من جسده، فأراد أن يرفع يديه ليمسح وجهه فلم يستطع من شدة سكرات الموت، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (إن للموت لسكرات)، فمسحت عائشة بيديها على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم، فنظر إلى سواك في يدها، فعلمت أنه يريد أن يستاك، ولكن يده لا تستطيع أن تأخذ السواك وتضعه في فمه صلى الله عليه وسلم، فأخذت السواك ولينته بفمها، ثم أعطته وأمسكت بيده فاستاك صلى الله عليه وسلم، ثم نزل جبريل وقال: يا رسول الله! هذه هي آخرة مرة أنزل فيها إلى الأرض.
وسيدنا جبريل مهمته تبليغ وحي السماء إلى من اختارهم الله سبحانه لتبليغ دعوته إلى عباده، فقد نزل على آدم، ثم نزل على نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وهكذا نزل على كل الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
يا محمد! -عليه الصلاة والسلام- هذا ملك الموت يستأذن بالباب! ملك الموت لا يستأذن على أحد لا من قبل رسول الله ولا من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما استأذن على رسول الله لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم عند ربه.
وبعد ذلك إذا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له جبريل: أتحب أن تكون في الدنيا ملكاً مخلداً أم إلى جوار الرفيق الأعلى؟ قال: بل أختار الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى، أشهد أن لا إله إلا الله وأني عبده ورسوله، ثم فاضت روح رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلمنا كيف عاد أنس رضي الله عنه بعد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعزي السيدة فاطمة، فقالت له فاطمة: يا أنس! هل هانت عليكم أنفسكم أن تحثوا التراب على وجه رسول الله، أي: هل هذا معقول أنكم تضعون التراب بأيديكم على وجه الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف؟ فقال: هو الذي أمرنا بهذا يا بنت رسول الله! فهو الذي نزل عليه: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، ونزل عليه قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:144].
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30].
إذاً: أنت في الدنيا تختار الصديق الذي يذكرك بالله؛ لأنك في الجنة ستبحث عن صديقك وستقول: أين فلان الذي كان يذهب معي إلى المكان الفلاني؟ قال تعالى: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51] أي: صاحب.