قال تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70].
تحبرون يعني: تسرون من الحبرة والسرور والحبور.
اللهم اجعلنا من أهل الحبور يا رب! فيزينك وأنت تدخل الجنة ما دمت قد زينت نفسك بزينة الإيمان والتقوى ولباس التقوى في الدنيا، فربنا يزينك في الجنة بزينة أكبر، اللهم زينا بالإيمان في الدنيا وبالجنة في الآخرة يا رب العالمين! قال تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:71]، أي: وأكواب أيضاً من ذهب.
والصحفة هي: الطبق الواسع الذي يكفي عشرة يأكلون فيه.
وأنت ما دمت حرمت على نفسك في الدنيا ما حرمه الرسول صلى الله عليه وسلم عليك من الأكل في الذهب والفضة فإن ربنا يوم القيامة سيؤكلك في الأطباق والصحاف والأكواب والأباريق من الفضة والذهب، وإن أكلت منهما في الدنيا فلن تأكل منهما في الآخرة.
{وَفِيهَا} [الزخرف:71]، أي: في الصحاف والأكواب، {مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف:71]، يعني: عينك ليست كالعين التي تنظر إلى الفول وتتحسر، وإنما تنظر إلى أنواع الأكل وتنبسط، فلها كل ما تشتهيه، سبحان الله! ومن كرم الله عليك قوله: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]، يعني: من النعمة، فوجه المسلم يقابل وجه المسلم، ولذلك كان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم إذا كلم أحداً أعطاه وجهه، وكان يوزع وجهه على الجالسين، لدرجة أن كل أحد يظن أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مهتماً إلا به، فانظر حلاوة أخلاق الحبيب.
قال تعالى: {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] في نعمة الخلد هنا، فلا يأس ولا قلق.
قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72].
والعبد يولد وله مكانان: مكان في الجنة، ومكان والعياذ بالله في النار، فيؤتى للمؤمن في الجنة ويقال له: هذه الجنة لك؛ لأن هذا نصيبك في الجنة، والجنة الثانية كانت لفلان الكافر الفاجر الذي دخل النار وأنت ورثت مكانه، فلك جنتان، جنتك أنت، والجنة التي ورثتها، قال تعالى: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون:10 - 11].
والكافر يقال له: خذ، هذه قطعتك والعياذ بالله في النار، والقطعة الثانية قطعة المؤمن الذي نجاه ربنا وأنت ورثت قطعته، فيا نعم ميراث المؤمن! ويا بؤس ميراث الكافر! وبالله عليك الكلام الجميل الحلو هذا والنعمة التي هي من الله ألا تستوجب منا الصبر والعمل الصالح والتوكل على الله؟ وأصلي وأسلم على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.