مدافعة مؤمن آل فرعون لقومه عن موسى

فإذا بهم يدبرون مكيدة القتل لسيدنا موسى وأخيه هارون، فإذا بالله عز وجل يقص علينا هذه القصة في سورة غافر، قال تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر:28] فبدأ بالكذب؛ لكي يطمئن من أمامه؛ لأن الذين أمامه أناس مكذبون، كما إذا جاءك شخص يشكو امرأته وأنها تعمل وتعمل، فلا تقل له: أنت غلطان، وإنما اسمع منه أولاً، ودعه يعبر عن وجهة نظره، ثم هدئه وريحه، وليس أول ما يأتي يكلمك تصده مباشرة، فهو أتى يشتكي لك، ويستشيرك، فاسمع منه أولاً، لأنه يريد من هذا كله عبارة عن أذن فقط، ولا يريد منك شيئاً آخر، فاسمعه، فإنه بعد أن يفرغ ما عنده سيهدأ، ثم اعمل له أنت عملية تفريغ نفسي، ففرغ الشحنة التي عنده، ثم بعد أن يهدأ ازرع فيه الخير، وقل له: يا رجل! امرأتك ما شاء الله، هذه صاحبتك يا شيخ! كل النساء يشكرنها، وأولادها هي حريصة عليهم ومنتبهة لهم، وتذكر له محاسنها.

وقد كان الجاحظ دميم الخلقة، وكانت امرأته عمشاء -يعني: نظرها ضعيف قليلاً- وكانت ساخطة عليه وازدادت سخطاً، فأتى بصديق له لكي ينصح لها، فقال له: تعال وقل كلمتين طيبتين في حقي، وأنني رجل كبير في الأدب وفي الشعر وفي البلاغة والناس كلها تأتيني من أقاصي البلاد، ما عدا امرأتي ليست مقتنعة بي، فقال: حسناً، فدخل عليها، فقال لها: ما الذي لا يرضيك في الجاحظ؟ لا يغرنك منه جحوظ عينيه، ولا كبر أنفه، ولا تعريش أذنيه، ولا تهطيل شفتيه، فقال له: عرفتها ما لم تكن تعرفه، أنا أتيت بك تقول خيراً، فشوهتني عندها.

وكان سيدنا أبو حنيفة رضي الله عنه يقنع العالم كله ما عدا امرأته، ولما كانت تستفتيه بفتوى ويجيبها تقول له: أنا لست مقتنعة بهذه الفتوى، فيقول لها: من تريدين أن تستفتي، فتقول له: أبو يوسف تلميذه، فيقول لها: إن شاء الله حين نصلي العصر سآتي بـ أبي يوسف، فيذهب إلى أبي يوسف ويقول له: امرأتي تريد أن تستفتيك فتوى والسؤال كذا، فيقول له: وما هي الإجابة؟ فيقول له: الإجابة كذا، فيقول له: حسناً، فيأتي إليها فتقول له: والله أنا سألت أبا حنيفة سؤالاً ولست مقتنعة برأيه، فيقول لها: وما هو السؤال؟ ثم يقول لها: نفس الإجابة، فتقول له: هكذا الإجابة.

فمؤمن آل فرعون قال لهم: إن كان كذاباً فأنتم لم تخسروا شيئاً، فبدأ بقضية الكذب؛ لكي يعمل لهم تفريغاً نفسياً واستمالة قلبية له، فقال لهم: أنا معكم إنه إن كان كذاباً فالكذب سيرجع إليه، ونحن لن نخسر شيئاً، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} [غافر:28]، إن كان هذا الرجل صادقاً وقد وعدكم بالخير إذا أحسنتم، وبالشر إذا أسأتم، فسنذهب إلى الهاوية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015