وعن أنس رضي الله عنه قال: (قمت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع رأسه ونظر إلي وقال: يا أنس! أما علمت أنه من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم؟!) يعني: يغفر الله لك الذنوب بأن تدخل السرور على أخيك المسلم، لقد قلت من قبل إن الحبيب يدلنا على شيء جميل جداً، قال صلى الله عليه وسلم: (من أطعم أخاه حلوى صرف الله عنه مرارة يوم القيامة).
سيدنا الحسن البصري تلاميذه يريدون أن ينظروا إليه وهو يحج، يا ترى ماذا سيعمل؟ فعندما بدأ بالطواف وصلى ركعتين في مقام إبراهيم، وشرب من زمزم، دخلوا عليه وقالوا: يا إمام! إننا نشرب ماء زمزم بنية الشفاء، ومنا من يشرب بنية تفريج الكربات ومنا من يشرب بنية كذا وأنت شربت بنية ماذا؟ قال: شربت ماء زمزم بنية أن يرويني الله يوم العطش، يشرب من زمزم بنية أن الله عز وجل يرويه يوم أن يعطش الناس! إذاً: أما علمت أن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم؛ تنفس عنه كربة، وإذا كان فيه ضيق نفسي بأن تحضر له طبيباً نفسياً فتنفس عنه كربة، أو تفرج عنه غماً، أو تقيم له صنعة، كل ذلك من المعروف.
ولو أن أصحاب الصنعة يتقون الله، فإن الله سيكرمهم، عندما يعلم المعلم الصبي العلم، وصاحب الحرفة يعلمه الحرفة، ولكن بدون سب أو لعن أو ضرب فإن الولد سيكون كامل الصنعة، وينشأ أحسن من الذي علمه؛ ولذا لا بد أن تعلمه اليقين والثقة وتعلمه مراقبة الله عز وجل.
كذلك أهل البناء الذين يحملون الأسمنت ويصعدون الأدوار العليا، والذين يتعبون ويشتغلون في مصانع الحديد والصلب، هؤلاء لو اتقوا الله لغفر لهم جميع الذنوب التي كانوا قد عملوها أول اليوم، وهذا بتقوى الله فقط.
يقول صلى الله عليه وسلم: (من بات كالاً من عمل يده بات مغفوراً له) الذي ينام وهو متعب من العمل فإن الله سبحانه وتعالى يمسح له ذنوب النهار كلها، لكن ليتقي الله في عمله، والمسلم لابد أن يكون صادقاً صابراً.
كذلك أن تقضي عنه ديناً، وما أحسن عندما تسدد الدين عن أخيك المسلم! (أو تقضي عنه ديناً، أو تخلفه في أهله) يعني: أسافر فهو يرعى بيتي ويأتي إلى البيت من خارج ولا يدخل ويقول: السلام عليكم أتريدون شيئاً من السوق؟ وإذا كان أحد الأولاد في المدرسة عنده مشكلة يذهب معه لينهيها له ويسأل: هل هناك مشكلة؟ هل هناك جار من الجيران يتعبكم؟! سيدنا عمر عندما كان يبعث الناس في السرايا والحروب يأتي إلى جانب الباب ومعه ورقة وقلم، وكان يقرأ ويكتب من فضل الله، فكان يضرب على الباب: يا بيت فلان! يا آل فلان! ألا تحتاجون شيئاً؟ فالمرأة التي بداخل البيت تقول له: نريد من السوق كذا وكذا وكذا يا أمير المؤمنين، فيأخذ الشيء الذي يضعون فيه حاجاتهم بداخله من السوق، فيضعها في حجره ويكتب عليها: هذه لبيت فلان ابن فلان! وهم يريدون كذا وكذا وكذا ثم يذهب إلى البيت الآخر فيقول: أتريدون شيئاً؟ وهكذا يحمل ويحمل، فيأتي له عبد الرحمن بن عوف فيقول: يا أمير المؤمنين! أتحمل هذا كله، دعني أحمل عنك، يقول: أتحمل وزري يوم القيامة؟! ويقول: أنا أبو العيال حتى يرجع المجاهدون؛ ولذلك عندما يموت الإنسان ويكون الأولاد يتامى فإن المجتمع كله يصير أباً لهؤلاء اليتامى، وليس أن يكون وقت الجنازة متفاعلاً فيقول: يا بني! لو احتجت شيئاً فإن بيتي مفتوح لك، وبعد فترة بسيطة جاء يطلب من هذا الرجل شيئاً، فإذا به قد تغير، فلا إله إلا الله! يا أخي! ألم تقل ذلك قبل؟! فنريد أن نتعامل بما يرضي الله في سلوكنا وحياتنا، وليس الإسلام عبارة عن كلام يقال، أو أننا نأتي المسجد ونرجع منه فقط، هأنت في الدرس، فما الذي استفدت منه؟ ثم هل عملت بالذي استفدت من الدرس؟! اللهم اجعله حجة لنا لا حجة علينا يا رب العالمين! قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (من أحب العباد إلى الله؟ قال: أنفعهم للناس) الذي يؤدي منفعة للناس.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن؛ تكشف عنه كرباً أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إلي من المكث شهرين في مسجدي هذا).
لأن أمشي مع أخي المسلم أقضي له حاجته خير لي من أن أعتكف شهرين في المسجد؛ لأن الاعتكاف عبادة خاصة بي، لكن عندما أفرج عن مسلم كربة، يقول الله: أتقف بجانب عبدي المؤمن تفرج عنه كربة؟ فأنا سأفرج عنك كربات، وأقضي لك مصالحك، مادام أنك فرغت وقتك وحياتك من أجل هذا الرجل، فسوف أفرج عنك كربتك، وأقضي عنك ديونك وحوائجك، ولكن كن أنت عبداً ربانياً.