من صفات عباد الرحمن الدعوة للذرية والأزواج بالصلاح

قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74].

فهذه دعوة عظيمة! (ربنا هب لنا من أزواجنا) أي: الزوجات أو الأزواج، (وذرياتنا) أي: الأولاد (قرة أعين) يعني: ما تقر به عيني في طاعة زوجتي، وتقر به عين زوجتي بأدبي معها، فزوجتك تكون راضية عنك، وأنت راضٍ عنها، سبحان الله، وأريد أن أقول نقطة مهمة: الزوجة تستطيع أن تجامل زوجها، والزوج يستطيع أن يجامل زوجته، ولنفرض جدلاً أنك تريد أن ترتاح، لكن لو أنك أوصلت حماتك وأخت امرأتك وأخا امرأتك إلى بيوتهم مثلاً، فإن امرأتك تحبك كثيراً، فيا أخي جاملهم، تحبب إلى امرأتك في هذه النقطة، والمثل يقول: (حب يد حماتك ولا تحب يد امرأتك)؛ لأنه إذا أرضيت حماتك أطاعتك امرأتك، وإذا عاديت فإنك تعادي حلف شمال الأطلنطي فتدخل في دوامة! طرق رجل الباب على معاوية رضي الله عنه، فخرج الحاجب وقال له: من أنت؟ قال له: أنا أخو أمير المؤمنين، فدخل وقال لـ معاوية: معك أخ لا أعرفه يا أمير المؤمنين! قال له: ائذن له بالدخول، فلما دخل قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: أنا أخوك، نظر فيه معاوية فلم يعرفه، قال له: من لدن من؟ قال له: من لدن آدم، قال: هاه رحم مقطوعة يكون أول من يصلها إن شاء الله أنا، وإنما المؤمنون إخوة فبالعكس، الأخوة في الدين أقوى من أخوة النسب والدم.

قال تعالى: {هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]، تقول: يا رب! اجعلني إماماً في الخير، واجعل امرأتي قدوة في الخير، واجعل أولادي قدوة في الخير، وكما قال لسيدنا موسى وسيدنا هارون: {وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً} [يونس:87]، أي: قبلة ليأتم الناس بها ويقتدون بها، فيكون البيت كله بركة ونعمة: (إن الله إذا أحب قوماً) أي: أهل بيت، (أنزل عليهم الرفق واللين، وإذا غضب الله على أهل بيت نزع منهم الرفق واللين)، تسمع ضجة وصياحاً طوال اليوم فالرجل يشتم، والمرأة تسب، والعيال يصيحون، وبجوارهم بيوت تقول: هؤلاء الجيران ما عندهم أولاد، فتنظر وإذا عندهم أربعة أو خمسة، لكن عندهم أدب وأخلاق، اللهم اهدنا وذرياتنا يا رب العالمين.

قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا} [الفرقان:75] أي: الذين اتصفوا بصفات عباد الرحمن من قوله: (يمشون على الأرض هوناً) إلى آخره، فهم في الغرفات آمنون.

يعوضهم الله جزاء ما صبروا في الدنيا واتقوا الله عز وجل.

قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا} [الفرقان:75] تحية من الله وسلاماً من الله والملائكة، ومن الحور العين ومن الغلمان الذين: {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا} [الإنسان:19].

{خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} [الفرقان:76] الله عز وجل جعل هذا هو المستقر وهو المقام في هذا المكان العظيم.

أنت في الدنيا أحياناً تحث على عمل المعروف، فتقول: كيف نعمل معروفاً والناس يردون علينا بالغلط، نقول لك: لا، لماذا؟ لأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، يعني: الذين يعملون المعروف في الدنيا ربنا يعمل فيهم معروفاً يوم القيامة، وهل يوجد معروف أكثر من الذي يدخلك الجنة؟ قعد أبو بكر وعمر والعباس على عتبة باب رسول الله فخرج عليهم رسول الله فقال: (فيم تتحدثون؟ قال أبو بكر: نتحدث في المعروف يا رسول الله، فقال رسول الله: وماذا قلتم؟ أبو بكر قال: أنا قلت: خير المعروف ستره) يعني: لا أقوم أفضح في الجرائد وأقول: عملت كذا ثم قال: (وأنت يا عمر؟ قال: وأنا قلت: خير المعروف تصغيره، ثم قال: وأنت يا عباس؟ فقال: أنا قلت: خير المعروف تعجيله) يعني: الذي يريد أن يعمل خيراً يعمله دون تأخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المعروف فيه الثلاثة: إن سترته جملته، وإن صغرته عظمته، وإن عجلته هنأته)، عندما تستر المعروف تجمله، هذا جميل، وعندما تصغر المعروف تكون أنت عظمته، وعندما تعجل بالمعروف تكون أنت تشعر بالهناءة لمن صنعت فيه معروفاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة، قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل المعروف فقال: قد غفرت لكم على ما كان منكم، وصانعت عنكم عبادي، فهبوه اليوم لمن شئتم لتكونوا أهل المعروف في الدنيا وأهل المعروف في الآخرة)، أي: فالذي تريدون أن تدخلوه الجنة فأدخلوه، فيكون المعروف هو الذي بقي هنا حتى إن صاحب المعروف يقول له: أنا عملت فيك معروفاً مرة، أتيت إلي فسقيتك! لذلك قال سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من أطعم أخاه قطعة حلوى صرف الله عنه مرارة يوم القيامة)، ليس هناك شيء يضيع عند الله، والدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله: (ومن سره أن تنفس كربته، وأن تستجاب دعوته، فلييسر على المعسر أو ليدعو له؛ فإن الله يحب إغاثة اللهفان).

وصلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015