قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72].
وشهادة الزور ليست هي الشهادة في المحكمة أمام القاضي فقط، فلا تشهد إلا بالحق ولو على نفسك، تقول: أنا مخطئ، ابني مخطئ، امرأتي مخطئة، أخي مخطئ، فتقول الحق ولا تخاف في الله لومة لائم.
دخل يهودي على شريح القاضي في زمن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، فقال: يا قاضي المسلمين! هذا سيف ورثته عن آبائي وأجدادي، ويدعيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويقول: إنه له، قال: ائتوني بـ علي، فدعي سيدنا علي فأتى وقال: السلام عليكم، وهو أمير المؤمنين، ثم جلس سيدنا علي بجوار شريح؛ فقال له: قم يا أبا الحسن! واجلس بجوار خصمك، فقعد سيدنا علي رضي الله عنه بجواره، ثم قال له شريح: أهذا السيف سيفك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، هذا السيف سيفي، فقال اليهودي: إنه سيفي، فـ شريح نظر إلى السيف وإذا بالسيف سيف سيدنا رسول الله، ما الذي أتى به لليهودي؟! فقال شريح: أمعك شهود يا أمير المؤمنين؟ قال له: نعم، فذهب وأتى بـ الحسن والحسين، فقال له: لا تصلح شهادتهما، أنتم علمتمونا أن الفرع لا يشهد لأصله، ولا الأصل لفرعه، ثم قال: معك شهود أخر؟ قال له: لا، قال له: السيف سيف اليهودي، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قال له: فلما وصل علي إلى الباب دعاه اليهودي: يا أمير المؤمنين! تعال، وقال: هكذا يقام الأمان، وهكذا تعيش الدول، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، السيف سيف علي.
ثم قال شريح: يا أمير المؤمنين! أغضبت؟ رأيت وجهك قد اكفهر عندما أمرتك أن تجلس بجوار خصمك، قال: لا، ما اكفهر وجهي من هذا، وإنما لأنك كنيتني وقلت: يا أبا الحسن! فقد فضلتني في مجلس الصلح.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] يقولون الحق في أي وقت، انظر إلى سيدنا عمر وانظر أيضاً إلى تلاميذ الحبيب، كان هناك شخص يشهد مع آخر، فقال له سيدنا عمر: أأنت تعرفه؟ قال: لا، قال له: أأنت جاره الأدنى؟ قال له: لا، قال له: أرافقته في سفر؟ قال له: لا، قال له: أعاملته بالدرهم والدينار؟ وسمي المال مالاً لأنه يميل بالناس عن الحق، ويقول الشاعر: رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه الناس منفضة انظروا إلى هذا الكلام الجميل من أين أتى به هؤلاء الرجال؟! هذا يدل على أن عندهم صلة بالله حتى تجري الحكمة على ألسنتهم، اللهم ألحقنا بهم يا رب.
قال له: هل أنت جاره؟ أو عاملته بالدرهم والدينار؟ هل سافرت معه؟ هل رأيته في الركوع والسجود في المسجد ونظرت إليه يصلي؟ قال له: نعم، قال له: إذاً إنك لا تعرفه، ائتني بمن يعرفه، لا تكفي الصلاة والصوم هذا بينك وبين ربنا، لكن المحك هو التعامل، انظر الحديث: (إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر، ورفقاؤه في السفر، ومعاملوه في الأسواق، فقل له: إنه من أهل الجنة)، هؤلاء ثلاثة: جارك في البلد الذي تعيش معه، ورفيقك في السفر، والمتعاملون معك في السوق.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] أي: يقولون الحق، النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه رجل يشهد، قال له: أتشهد؟ قال له: نعم يا رسول الله أشهد، قال له: انظر إلى الشمس أتراها؟ قال: نعم، قال له: على مثلها فاشهد، فقال له: اعفني يا رسول الله!