من أسماء الجنة المقام الأمين، فأنت في الدنيا لن تكون آمناً، إما أن تكون خائفاً من غدٍ أو متضايقاً من أمس؛ لكن في الجنة تأمن من تقلبات الأيام إذ لا توجد أيام.
يروى أن أعرابياً دخل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! أفي الجنة ليل؟ قال: (وما الذي هيّجك على هذا؟)، قال: يقول الله تعالى: {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم:62].
فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (بل يرون نوراً يرد الغدو على الرواح والرواح على الغدو) فلا عشي ولا ظلمة في الجنة إنما هو نور دائم، وفي الجنة ملائكة يدخلون عليك مرات عديدة في اليوم، مع أنه لا يوجد أيام هناك، لكن يدخلون عليك في الأوقات التي كنت تصلي فيها الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويأتونك بالهدايا من رب الهدايا؛ فانظر إلى ما كنت تهديه أنت إليه وما سوف يهديه هو إليك! فالهدية التي كنت تهديها له في الدنيا إن كانت ركعتين قد شككت فيهما؛ فانظر إلى ما سيعطيك الله مقابلها من هدايا يوم القيامة، سيعطيك هدايا لا تنقطع، وأعظم هدية أن يرضى عنك رب البرية سبحانه.
المقام الأمين معناه: المكان الأمين، يقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] وقال: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} [الدخان:55]، فجمع لهم بذلك أمن الطعام وأمن المكان، وأعظم آية نزلت على أهل مكة وعلى المسلمين قول تعالى في سورة قريش: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:4] فقد أمّن الناس على بطنها.
يحكى أن أستاذاً فاضلاً كبر في السن وأصيب بالشلل، ولم يجد أحداً يأخذه إلى المسجد فكان كل يوم حتى في يوم الجمعة يريد أن يعمل خيراً، فجاء بقمح وأقفل الشرفة وأخذ يشاهد العصافير وهي تأكل، وذات مرة رأى العصافير لم تنزل فاستغرب، فاكتشف أن باب الشرفة مفتوح شيئاً ما، فالعصافير أحست أنه يعطيها الحب مصيدةً منه وفخاً، فلما لم تأمن على نفسها لم تأكل.
فلا بد أن تساعد في أمن الناس في أكلها ومعيشتها وحياتها، فإنه من روّع المؤمنين روّعه الله يوم القيامة، ومن أمّن المؤمنين أمّنه الله يوم القيامة؛ وقد ثبت في الأثر أن الصحابة أرادوا أن يمزحوا مع واحد منهم في إحدى الغزوات، فأخذوا منه السيف وهو نائم، فلما استيقظ فجأة خاف وارتاع فقال صلى الله عليه وسلم (من روّع أخاه روّعه الله يوم القيامة) ولذلك أوجه نصيحة وأقول: يا سائق السيارة! أياً كنت لا ترعب الناس الذين يمشون، فإن الله سبحانه وتعالى يقول في صفات عباد الرحمن: {يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63].