وقد جاءت ملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: العين نائمة والقلب يقظان بدليل أن الوحي إليه أمر من الله، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل غزوة أحد رؤيا، فقال: (رأيت بقراً تذبح، ورأيت ثلمة في سيفي، ورأيت كأني أدخلت يدي في درع حصينة) فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه: أتأذن لي في تأويلها يا رسول الله؟ فقال له: (أول يا أبا بكر قال: أما البقر التي تذبح فبعض من أصحابك يرزقون الشهادة، وأما الثلمة التي في سيفك فرجل من أهل بيتك يقتل، وأما إدخالك يدك في درع حصينة فعودتك إلى المدينة سالماً إن شاء الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هكذا فسرها لي جبريل).
اللهم ارض عن صحابة رسول الله، اللهم لا تحرمنا مجالستهم في الجنة يا رب العالمين، ونسأل ربنا أن يكرمنا ويعوضنا عن ذل الدنيا وابتلاءاتها بنعيم مقيم، اللهم حسن أعمالنا وحسن خاتمتنا، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب يا رب العالمين! فقوله: (أن العين نائمة والقلب يقظان) يعني: أن عينه نائمة، لكن قلبه يقظان مع ربه.
وفي رواية أخرى للإمام الترمذي (نزل جبريل فقال: إن عين محمد نائمة، ولكن القلب يقظان مع ربه)؛ لأنه في إحدى المرات حين جاء ثلاثة من الصحابة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فنظروا إلى عبادتهم فتقالوها يعني: وجدوها أعمالاً قليلة، فقالوا: إنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن الذين امتلأنا خطايا وذنوباً وسيئات، فقال أحدهم: أنا سوف أقوم الليل فلا أنام أبداً، وقال الآخر: وأنا سوف أصوم ولا أفطر أبداً، يعني: أنه يصوم الدهر، وقال الآخر: أما أنا فلا أتزوج النساء؛ أي: لأنهن يشغلن، ويجلبن المشاكل.
فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم مقالتهم، فقال: (إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) إذاً: هو نائم، ولكن في وضع آخر.
وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يصلي، وبعض المنافقين كانوا يأتون آخر الناس ويمشون أول الناس مستعجلين، فكانوا يرفعون قبل أن يرفع الإمام ويسجدون قبل أن يسجد، ومن رفع رأسه قبل الإمام جيء به يوم القيامة ووجهه وجه حمار؛ لأنه لا يعرف النظام، فالذي يرفع قبل الإمام بطلت صلاته.
قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ترفعوا رءوسكم قبلي، ولا تسجدوا قبلي، قالوا: أو ترانا يا رسول الله؟ قال: أتظنون أن قبلتي بين عيني، إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي) أي: بما أراه ربه.
وعندما تكلمت حفصة وعائشة في موضوع أخبره جبريل بالأمر، فرجع وعرف بعضه وأعرض عن بعض، فذكر لهما عناوين يعرفهما أنه كان موجوداً، فهما لبشريتهما وللعقل المحدود لهما سألتاه عن ذلك، {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3].
(فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولوها له - يعني: فسروها- يفقهها، فقالوا: أما الدار فالجنة، والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً فقد عصى الله).
يعني: كأن الله عز وجل هو صاحب الدار، والدار هي الجنة، والمأدبة هي النعيم الذي في الجنة، أكبر نعيم في الجنة شيئان: الشيء الأول: رؤية وجه الله الكريم سبحانه.
الشيء الثاني: {لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف:108].
فالمتعة في الدنيا زائلة، والغنى في الدنيا ليس سبب السعادة، ففي سويسرا والسويد ينتحر في السنة ما يقرب من ثلاثين إلى أربعين ألف رجل وامرأة، مع أن أعلى دخل للفرد في العالم هناك، فكل شيء ميسر له، فالجو جميل، والصحة والرياضة موجودتان، والدولة لا تنكد عليه، ولا توجد شوارع ومجار مكسرة، ولا ماء متقطع ولا نور ينطفئ.
أما مستشفيات الأمراض العقلية فهي بكثرة في السويد وسويسرا وأمريكا وغيرها من البلدان الغربية الكافرة.
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من سأل ربنا الجنة سبع مرات، واستعاذ بالله من النار سبع مرات، تقول النار: يا رب! عبدك فلان استجار بك مني، اللهم أجره مني، والجنة تقول: يا رب! عبدك فلان طلب أن يدخل الجنة، اللهم لا تحرمه مني ولا تحرمني منه، وكان الصحابة يسألون الله الزحزحة عن النار، ودخول الجنة، والزواج من الحور العين.
وسيدنا عمر رضي الله عنه دخل المسجد ووجد أعرابياً يصلي ركعتين ثم سلم، ثم رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم زوجني من الحور العين، فنظر إليه سيدنا عمر وقال له: يا أخا الإسلام! هذا مهر قليل، أي: فالذي يريد أن يتزوج امرأة فإنه يحتاج إلى مهر وتوابعه فكيف الزواج بالحور العين؟ ورجل مخبول في زمن أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وكان عبد الملك إماماً يصلي بالناس، وكان الأمراء هم أعلم الناس فيتقدمون للصلاة.
فبعد أن انتهى الرجل من الصلاة قال: اللهم امسخني حوراً من الحور العين، وزوجني من عمر بن الخطاب، فقال له شخص: ولم لا تطلب أن تتزوج من الرسول؟ قال: لا أريد أن أكون ضرة لـ عائشة!! ربنا يسعدنا وإياكم بالتقوى، وبدخول الجنة، وبالزحزحة عن النار، ويختم لنا ولكم بالإسلام وبالإيمان، ويخرجنا من الدنيا على خير.