مفتاح الإجابة الدعاء، قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وليس هناك واسطة بينك وبين ربنا في الدعاء.
وفي الأثر: لو كان العبد طائعاً أو عاصياً وقال: يا رب! فإن ربنا يقول له: لبيك يا عبدي! وفي الحديث: (لله أفرح بتوبة عبده من رجل خرج في فلاة وعلى ناقته رحله وسقاؤه وطعامه، فضلت منه ناقته -أي: ضاعت- فأيقن الهلكة فنام تحت شجرة ينتظر الموت، فاستيقظ فرأى ناقته عليها سقاؤه وطعامه).
فربنا يفرح بتوبة عبده المؤمن أكثر من فرحة الرجل الذي وجد الأكل والشرب على ناقته التي ضلت منه، فالطاعة لا تزيد في ملكه، والمعصية لا تنقص من ملكه.
والدعاء له شروط: وهي: الإخلاص، واليقين، وترقب الأوقات الفاضلة.
وقد يوجد أشخاص لهم علاقة بالله سبحانه وتعالى، وأحياناً قد يكون عندي ألم أو مرض أو ضيق صدر، فأذهب إلى بيوت معينة من أجل أن أشرب فيها كأس ماء أو كأس شاي بنية الشفاء، فأعود إلى بيتي وقد شفيت من الألم، لأن سيدنا الحسن البصري قال: لو أحصل على درهم حلال، لاشتريت به رغيفاً فأدقه وأضعه في وعاء، فمن مرض أخذ منه لحسة فشفاه الله، لكن أين الدرهم الحلال؟! والدعاء لا يكون إلا بإخلاص مع ترقب الأوقات الطيبة، مثل الذين يقفون طوابير أمام بوابات السفارات، ينتظرون متى تفتح الأبواب، ولله المثل الأعلى، فنحن لا نعرف متى يفتح باب الإجابة، فعلينا بالدعاء دائماً؛ لأن كل الأبواب تفتح وتغلق إلا باب التوبة، فإنه باب مفتوح على مصراعيه حتى تطلع الشمس من مغربها.
قال صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير من الليل، فينادي: ألا من داع فأستجيب له، ألا من مستغفر فأغفر له، ألا من صاحب حاجة فأقضيها له) وقال أيضاً: (إن ربكم يمد يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويمد يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) لأنه هو التواب الرحيم، قال تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج:14].
قال أبو حامد الغزالي لتلاميذه: عفوه يستغرق الذنوب، فكيف حبه؟ وحبه ينير القلوب، فكيف وده؟ ووده يدهش العقول، فكيف قربه؟ وقربه ينسي هموم الدنيا، فكيف مشاهدته؟ فزاحموا العلماء بالمناكب؛ فإن رحمة الله لا تفارقهم لحظة، ومثل المؤمن كالنحلة؛ إن أكل أكل طيباً، وإن أطعم أطعم طيباً، وإن وقف على عود لا يخدشه ولا يكسره.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك -أي: يريحك- وإما أن تبتاع منه، وإما أن تشم منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثوبك وإما أن تشم منه ريحاً خبيثة).
فالذي يجالس أصحاب الآخرة فإنهم يذكرونه بالله تعالى ويقربونه منه، والذي يجالس أصحاب الدنيا فإنهم يبعدونه عن الله.
والعمل الذي تأكل منه أخلص فيه، وقلت لإخواننا الذين يعملون في أي مصلحة أو وزارة أو أي وظيفة في القطاع العام أو الخاص، أنهم يقضون نصف ساعة في آخر اليوم بدلاً عن النصف الساعة التي استغرقت في صلاة الظهر؛ لأن الموظف مكلف بالعمل ثمان ساعات كل يوم؛ من أجل ألا يدخل جوفك درهم حرام، فإن الحلال هو الذي يجعل الدعاء له إجابة، قال صلى الله عليه وسلم: (يا سعد! أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفسي بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يوماً).