والجنة موجودة الآن، والدليل على ذلك أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الإنسان عندما يوضع في لحده: (وإنه ليسمع قرع نعالهم وهم يغادرونه) وهذه أصعب لحظة على الإنسان عندما يتركه أهله في القبر وحيداً وهو في نفسه يقول: لو أن أهلي ينتظرون ولو نصف ساعة أو ساعة؛ لأنه لن يبدأ الحساب إلا بعد مغادرة الناس من القبر، وعندما يمشون فإنه يسمع صوت أرجلهم وهم يمشون، فالميت ليس ميتاً وإنما نقل من حياة لها كيان ونوع وماهية، إلى حياة من نوع آخر لها كيان ونوع وماهية.
ثم يدخل عليه الملكان فيسألانه الأربعة الأسئلة التي نحن نعرفها، من ربك؟ وما دينك؟ ومن رسولك؟ وما كتابك؟ فإن ثبته الله وكانت الإجابة موفقة فقد نجح، وينادي مناد أن (وسعوا لعبدي في قبره واجعلوه له مد البصر، وافرشوه له حريراً، وافتحوا له باباً ليرى مقعده من الجنة).
فهو ينظر إلى مقعد موجود، إذاً: فالجنة موجودة.
أما بالنسبة للنار فإن الله يأمر مالكاً خازن النار بألا يحرق قلوب وأقدام مرتكبي الكبائر من أمة محمد ولم يتوبوا، فربنا يقول: (يا مالك! لا تحرق قلوبهم؛ فقد كان فيها الإيمان وقراءة القرآن، يا مالك! لا تحرق أقدامهم؛ لأنهم كانوا يخطون بها خطوات لتعمير بيوتي وللصلوات في الجماعة).
سيدنا عمر رضي الله عنه دخل عليه سيدنا علي رضي الله عنه في المسجد النبوي الشريف، فوجد أمير المؤمنين في قبلة الرسول ساجداً وهو يبكي، ويقول: يا رب كبر سني، ووهن عظمي، وخشيت أن يتفرق الأمر من يدي، فاقبضني إليك مسلماً موحداً، ولما طلع الفجر من تلك الليلة طعنه أبو لؤلؤة المجوسي.
ولما حدث عام المجاعة كان يبكي ليل نهار، ويقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يد عمر، فكيف الذين أهلكوا الأمم على مدار أربعين أو خمسين سنة؟ ولماذا لا يدعون؟
صلى الله عليه وسلم لأنهم ليسوا كـ عمر، اللهم ارض عن عمر وعمن سار في طريق عمر بن الخطاب، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يا رب العالمين! وموضوعات الجنة التي يتطرق الحديث عنها هي: أبوابها، وسعتها، وأول من يدخلها، ودرجاتها، ومفاتيحها، وثمنها، وأصناف أهلها وأوصافهم، وتربتها وقصورها وغرفها، وأسماؤها، ومعانيها وبساتينها وسوقها، إلى غير ذلك وأهم موضوعاتها النظر إلى وجه الله الكريم.
وكما أن للجنة مفاتيح فإن قلوب الناس لها مفاتيح، ومن هذه المفاتيح الكلمة الطيبة أو اللين أو العنف أو التهديد أو الترغيب والترهيب وهكذا، فكل واحد من الناس له مفتاح، لكن الجنة لها مفاتيح أخرى، ولن يفتح باب الجنة إلا بهذه المفاتيح.
قال تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ} [الرعد:23].
والغرس الذي فيها ليس من غرس الملائكة وإنما غرسه الله بيده، فإذا كانت هنالك في الدنيا نباتات جميلة وشكلها لطيف وجميل وبأشكال جميلة وهي من صنع البشر، فكيف بما صنعه رب البشر؟! وأول الأمم دخولاً إلى الجنة، هم السابقون وأصحاب اليمين.
والنساء في الجنة أكثر من الرجال، وفي النار أكثر من الرجال، فهذه معادلة غريبة سنشرحها قريباً إن شاء الله.
وأول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أما أبو بكر رضي الله عنه فإنه لن يقف للحساب.
وقد قال أبو بكر: لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارج الجنة لم آمن مكر الله.
أما دور الجنة وقصورها وغرفها فلا يعلم سعتها إلا الله، وربما يعيش الإنسان في قصر منيف في الدنيا وواسع ولكنه ضيق الصدر، وقد يعيش في كهف أو خيمة وهو منبسط ومرتاح، فالسعة سعة الصدر لا سعة القصر، قال تعالى عن أصحاب الكهف: {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف:16].
وميسون الكلابية زوجة معاوية وأم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لما أتى بها معاوية إلى دمشق وأدخلها أحد قصورها وفيه الوصيفات وريش نعام وذهب وحرير، فدخل عليها مرة ووجدها تقول: لكوخ تخفق الأشباح فيه أحب إلي من قصر منيف وأكل كسيرة ويروق بالي أحب إلي من أكل الرغيف ولبس عباءة وتقر عيني أحب إلي من لبس الشفوف