وعن أبي سعيد الخدري عن الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي نفسي بيده ما أحد منكم بأشد مناشدة من المؤمنين لله يوم القيامة في إخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا إنهم كانوا يصومون معنا، ويصلون معنا، ويحجون معنا، فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم) ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (أكثروا من الأخلاء الصالحين، فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة) يعني: عندما تكثر أحباءك في الله يأتون يوم القيامة فيشفعون لك؛ لأن الواحد قد يقول لآخر: يا فلان! اشفع لي عند ربك، فيقول له: أنا لا أعرفك، فيذكره ويقول: لقد مررت عليك مرة فسلمت عليك وتبسمت في وجهك، فيقول له: يا رب! شفعني فيه، فيشفعه فيه ويدخله الجنة.
(فيقول الله عز وجل: أخرجوا من عرفتم، فيخرجون خلقاً كثيراً، منهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه، فيقولون: ربنا لم يبق فيها أحد ممن أمرتنا به) يعني: لا يوجد أحد من الذي نعرفهم إلا أخرجناه.
إذاً: كل مؤمن له شفاعة، فقد جاء في الحديث: (المؤمن يشفع في الواحد، ويشفع في الاثنين، ويشفع في سبعين من أهله وجبت لهم النار، ويشفع في القبيلة والقبيلتين) كل واحد على قدر رصيده ومكانته عند الله.
قال: (ويقول الله عز وجل: فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه من النار) يعني: من تجدون في قلبه خيراً مثل هذا الدينار فأخرجوه من النار.
قال: (فيخرجون خلقاً كثيرا، فيقولون: يا ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيرا، ثم يقولون: ربنا! لم نذر فيها ممن أمرتنا بإخراجه أحداً، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، قال: فيخرجون خلقاً كثيراً، فقال أبو سعيد الخدري: إن لم تصدقوني فاقرءوا إن شئتم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]) يعني: أنت عملت مثقال ذرة صغيرة من خير ولم تكن تأبه لها، فهذه ستنفعك يوم القيامة، {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] يعني: يكثرها، {وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40].
(فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أنا وأنا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج بها قوماً لم يعملوا خيراً قط، قد صاروا حمماً، فيلقيهم في نهر في الجنة يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، ثم يقول: لا تدعوا في النار رجلاً أو امرأة قال: لا إله إلا الله).
فأهل التوحيد في النار لا يقيدون؛ لأن الموحد في الدنيا رغم عصيانه كان مقيداً بالحلال والحرام، فقد يأتي يوماً من الأيام فيقول: لا أنظر إلى الحرام، فهذا مقيد بنظره، ويقول: لا أسمع خطأ، فهذا مقيد بسمعه، ويقول: لا أذهب إلى المكان الذي فيه الرقص، فهذا مقيد برجليه، ويقول: لا أمد يدي إلى الحرام، فهذا مقيد بيديه.
فإذاً: المؤمن مقيد في الدنيا عن الشر، فربنا يأتي يوم القيامة فيجعل لكل عمل في الدنيا ما يقابله في الآخرة.
إذاً: الموحدون لا يقيدون، فتقول الخزنة بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء يقيدون وهؤلاء لا يقيدون، مع أنهم كلهم أهل نار، فناداهم منادٍ: أن هؤلاء كانوا يمشون في ظلمات الليل إلى المساجد، فقد جاء في الحديث: (بشر المشاءين في الظلمات بالنور التام يوم القيامة) فالذين يمشون في الليل لصلاة العشاء وصلاة الفجر بشرهم أنهم سيمشون في نور الله يوم القيامة، أما من يتخلف عن صلاة العشاء وصلاة الفجر فهذه علامة من علامات النفاق؛ لأن أثقل صلاة على المنافق صلاة العشاء والفجر.
وقرأ سيدنا عبد الله بن مسعود قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل:38] الذي قال هذا هم الكفار، فسيدنا عمر لما سمع هذه الآية بكى، وقال: ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن الله من يموت، ثم قال: أتراك تجمع بين القسمين في دار واحدة؟! يعني: هؤلاء أقسموا أن ربنا لن يبعث الذي مات، ونحن نقسم أنك يا رب ستبعث الذي مات، فهل ستساوي بيننا في النار؟! وهذا سيدنا الإمام الشافعي رحمه الله سمع قارئاً يقرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:1] وسمع قارئاً آخر يقرأ: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] هذا على لسان فرعون، فبكى الشافعي وقال: يا رب! أتسوي يوم القيامة بين من قال: أنا ربكم الأعلى، ومن قال: سبحان ربي الأعلى.
انظروا إلى لطف العلماء وكياسة أهل التقوى كيف يكلم ربنا؟! وهذا سيدنا الحسين رضي الله عنه قبل آخر لحظة من دخوله كربلاء، عاد وشرب ماء من عند أخته السيدة زينب رضي الله عن أهل البيت، وهو يشرب وفي يده الإناء أخذته سنة من النوم، ففتح عينيه، وقال: يا أختاه! رأيت جدي اللحظة، وقال: يا حسين! أنت عندنا بعد لحظات، وبكى، ونظر إلى السماء وقال: يا رب! أمرتني فلم أأتمر، ونهيتني فلم أنته، ولكن لا أشرك بك شيئاً أبداً، ولا إله إلا أنت وأنت الغفور الرحيم.
هذا آخر كلام قاله الإمام الحسين رضي الله عنه وعن آل البيت يا رب العالمين.
ننتقل إلى كلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا العتل الزنيم).
الجواظ: هو الذي جمع ومنع، مثل قارون حين جمع المال ومنع الصدقات والخيرات عن الناس، فهذا الجواظ الذي لا يدخل الجنة.
والجعظري: هو الفظ الغليظ، الذي قلنا: إنه مثل القعبرى، فالقعبرى والجعظري شيء واحد.
والعتل الزنيم: هو شديد الخلق رحيب الجوف، يعني: شكله جميل؛ لكنه من الداخل خاوٍ من الخير، هو شخص طويل جداً فتجده يقعد ويغني بأغاني النساء يقول لك: حتى فساتيني التي فساتينك ماذا يا بني؟ أنت قلبك فيه أمراض، ربنا يرحمنا ويهدي الكل.
روى الإمام أحمد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وعرض عليّ أول ثلاثة في الجنة، وأول ثلاثة في النار، فأول ثلاثة يدخلون الجنة: الشهيد، وعبد مملوك لا يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه، وعفيف فقير متعفف ذو عيال.
وأهل النار ثلاثة: أمير متسلط، وذو ثروة من مال يمنع عطاء الله عن عباده، وفقير فخور).
وفي حديث آخر: (أن ناساً من أمتي يدخلون النار بذنوبهم، ويكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نرى ما كنتم تخالفوننا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم، فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من النار، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2]، وإن في النار لرجلاً في شعب من شعابها ينادي مقدار ألف سنة: يا حنان! يا منان!).
الحنان: هو الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنان هو الذي يعطي النوال قبل السؤال.
(فيقول الله: يا جبريل! أخرج عبدي من النار، فيأتيها فيجدها مطبقة) يعني: مقفلة مؤصدة.
(فيرجع ويقول: إنها يا رب عليهم مؤصدة، فيقول: يا جبريل! ارجع ففكها فأخرج عبدي من النار، فيفكها، فيخرج مثل الخيال، فيطرحه على ساحل الجنة حتى ينبت الله له شعراً ولحماً ودماً) ذكره أبو نعيم في الحلية، والإمام أحمد في مسنده.
اللهم ثقل بهذه الجلسات موازيننا يوم القيامة، واجعلها خالصة لوجهك الكريم.
اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار، اللهم زحزحنا عن النار.
اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب.
اللهم تب على كل عاص، واهد كل ضال، واشف كل مريض، وفك كرب المكروبين، وسدد دين المدينين.
اللهم من أراد بمسلم سواءاً فاجعل كيده في نحره يا رب العالمين.
اللهم أصلح الراعي والرعية، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم اهدهم للعمل بكتابك وسنة حبيبك صلى الله عليه وسلم.
اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، وأصلح يا رب أحوالنا، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، تبنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، ورجعنا إلى الله، وندمنا على ما فعلنا، وعزمنا عزماً أكيداً على أننا لا نخالف أمراً من أوامر الله، وبرئنا من كل دين يخالف دين الإسلام، والله على ما نقول وكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.