أول نوع من أنواع العذاب هو شجرة الزقوم، وشجرة الزقوم وردت في الواقعة وفي الصافات، وسنرى النماذج ونفسرها؛ لأننا قلنا: إن كل حديث عن الدار الآخرة هو من نصوص الكتاب والسنة، فليست مسألة قياسية أبداً، لكي نبقى مرتبطين بما جاء في الكتاب وفي السنة المطهرة، فننظر إلى النص الأول، لأن القرآن يفسر بعضه بعضاً.
قال تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:51 - 56].
قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51].
إذاً هذا أول نوع من العذاب.
والله عز وجل يتحدث عن صنفين: الضال والمكذب، فمن الضال ومن المكذب؟ الضال: هو كل من لم يأتمر بأمر الله عز وجل، يعني: الذي لا يصلي فهو ضال، والذي لا يزكي ولا يصوم فهو ضال، والتي لا تتحجب ولا تتخمر فهي ضالة أيضاً.
وكل ضال مكذب؛ لأنه مكذب لله عز وجل في أمره، وهو إنسان ضل؛ لأنه كذب الله ورسوله، فإن قيل: من أين لك هذا؟ قلنا: من كلام الله، ومن كلام رسوله، فالمسألة ليست مسألة اجتهاد شخصي، فمن يقرأ عليه الوحي فيكذبه ثم لا يهتدي، فهو مكذب ضال، أي أن كلاً منهما مترتب على الآخر، فهو مكذب بحقيقة يوم القيامة؛ لأنه لو آمن وأيقن بحقيقتها لما كذب ولما ضل، ولو أيقن بما في يوم القيامة من عذاب وأهوال لاهتدى وما كذب، وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ} [الواقعة:51] يكلمهم ربنا: {لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ} [الواقعة:52] تزقم الإنسان الشيء أي: ابتلعه بصعوبة بالغة، مثل: لو أكلت لقمة أكبر من حجم فمك.
إذاً ابتلاع الإنسان الشيء بصعوبة بالغة، هذا اسمه التزقم.
قال أهل العلم: هل شجرة الزقوم موجودة في الدنيا أم لا؟ الرواية الأولى: أنها موجودة، وهو شجر كريه المنظر سيئ الطعم، موجود في شمال نجد في جزية العرب، ولكن البعض يقول: لا، هذا اسم جديد على اللغة العربية، وكلمة (شجرة الزقوم) وصفها القرآن بصفاتها الخاصة بها.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الواقعة:51 - 53] يعني: يأكل إلى أن تنتفخ بطنه والعياذ بالله رب العالمين، {فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} [الواقعة:54] لأنها عندما تدخل تقطع الأمعاء، فيحتاج إلى ماء، فيحضرون له شراباً لكنه من حميم، وما هو الحميم؟ هو كل شيء يغلي، والحميم هنا: هو عصارة أهل جهنم.
وقوله تعالى: {فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة:55] الهيم: هي الإبل العطشى، أو الهيم: هي الرمال، أي: كمثل سقاية الرمل ماء، أو الهيم: هي الإبل التي مرضت بمرض الهيم، وهو المرض الذي يوازي عند البشر مرض الاستسقاء، والجمل المصاب به يظل يشرب ولا يشبع، إلى أن يموت من شدة الشرب، وهذه صورة إنسان ضال مكذب، أي: يأكل من شجرة من زقوم، فيملأ منها بطنه.
قوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] النزل في اللغة العربية هو الفندق، وبعض الدول العربية تسمي الفندق أو اللوكندة: نزل، فكأن النزل أو الفندق أو اللوكندة بدل ما تكون في الدنيا اسمها: خمسة أو ثلاثة نجوم، أو أربعة نجوم، ستكون هناك شجرة الزقوم.
وقوله تعالى: {هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:56] أي: هذا مكانه يوم الدين، أي: يوم القيامة، فيأكل من شجرة من زقوم، ويشرب عليها من الحميم، فيشرب شرب الهيم والعياذ بالله رب العالمين، نسأل الله ألا يجعلنا من الضالين ولا من المكذبين.
وقوله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات:62] كان يتكلم قبل هذه عن الجنة.
{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات:63].
ولما نزلت آية الواقعة التي فيها ذكر شجرة الزقوم نادى أبو جهل على جاريته: يا جارية! هاتي تمر العجوة والزبد وهذه أحلى الأكلات العربية في القديم، وزقمينا، إنها عجوة يثرب وزبد يثرب سوف نتقزمها في النار يوم القيامة! هذا أبو جهل يقول ذلك، ثم يقول: ويضحك علينا محمد، وإنما هي عبارة عن عجوة وزبدة سنأكل منها.
فربنا يقول: {إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات:63] لأن كلمة التزقم في لغة العرب تعني: أن البلح من شدة حلاوته تكسر حدته بالزبدة، فهو لكي يضله ربنا ويغويه وهو ضال أصلاً.