ذكر بعض الآيات والأحاديث الواردة في جهنم

يحكى أن تلميذ الحسن البصري كان ماشياً على شاطئ الفرات فسمع قارئاً يقرأ: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:74 - 75] فسقط في نهر الفرات فمات.

ما استطاع أن يمسك نفسه! قيل للفضيل بن عياض: قرأ القارئ في الرحمن: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] فلماذا بكيت مع أن هذا شيء يبعث الفرح؟ قال: شغلتني الآية التي قبلها: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ} [الرحمن:35]، أي: أن هذه الآية شغلته عن الحور المقصورات.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا أوقدت زوجته النار يقرب إصبعه ويقول: يا ابن الخطاب! ألك صبر على مثل هذا؟ ثم يمتنع عن الأكل الذي كان سيطبخ؛ للخوف الذي اعتراه ويقوم الليل لله رب العالمين.

وسعيد بن جبير رضي الله عنه قبل أن يموت بسنة لم يره أحد يضحك ولا يتبسم أبداً، فسئل عن ذلك فقال: كيف أضحك والنار قد سعرت، والسلاسل والأغلال قد أعدت، والصراط قد مد على جهنم، ولا أدري أناجٍ أنا أم غير ناج؟ ويذكر أن حاتماً الأصم قال: عرضت على نفسي عرضين: الجنة وما فيها من نعيم، والنار وما فيها من عذاب؟ قالت: أريد يوماً أتوب فيه إلى الله.

نستغفر الله جميعاً من ذنوبنا، اللهم اغفر لنا يا رب العالمين! قال الله عز وجل في سورة الأعراف: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف:179]، ذرأنا يعني: جهزنا وخلقنا وأعددنا، قال: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} [الأعراف:179]، وهذه صفة كل من سمع كلام الله ولم يعمل به، فالمسلم يجب عليه عندما يسمع كلام الله أن يشفق ويخاف، قال: {وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179].

فالله عز وجل خلق وأعد خلقاً من الإنس والجن لهم قلوب مثل قلوبنا ولهم أعين كأعيننا ولهم آذان كآذاننا، لكنها آذان معطلة لا تسمع إلا ما كان خاصاً بالدنيا، أما أن يسمع درساً شرعياً في المكان الفلاني فهذا الذي لا يريده.

وقال تعالى في سورة هود: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:119] وليس معنى ذلك: أن كل الجن والإنس يدخلونها، إنما معنى الآية: مجموعة من الجن ومجموعة من الإنس يجتمعون ويدخلونها نسأل الله السلامة، وهؤلاء هم الجهنميون الذين قصروا في عبادة الله عز وجل.

كذلك قوله تعالى في سورة السجدة: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13].

وقال الله تعالى في سورة الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:14 - 15].

فحطب جهنم -والعياذ بالله- مخلوقات من الإنس والجن.

وقال تعالى: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24] فتخيل أن الإنسان وقود جهنم وكما قال الله تعالى: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا} [طه:74] ونضرب مثلاً بعصفور فوق نيران ساخنة لا هو يطير فينجو ولا يموت فيستريح، أو عصفور داخل زيت يغلي لا هو يطير فينجو من هذا العذاب ولا يموت ويستريح؛ ولذلك يقول الكفار المشركون يوم القيامة: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27]، وقالوا: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] ولكن

صلى الله عليه وسلم { قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108]، وقيل: إن مالكاً يرد عليهم بعد مائة سنة، يعني: لما طلبوا هذا الطلب جاء الرد عليهم بعد مائة سنة، فيا له من كلام يتصدع له القلب! نسأل الله العافية.

وقال الله تعالى في سورة الأنبياء: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:29].

فالذي يدعي الألوهية، أو يتصف بصفة من صفات الألوهية فجزاؤه عذاب جهنم، والله سبحانه وتعالى يقول: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق:29] وقال الله تعالى في الحديث القدسي: (الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار ولا أبالي)؛ لأن الكبرياء والجبروت لله عز وجل، فاحذر أن تتكبر على الآخرين.

ذكر أن جبلة بن الأيهم كان أميراً نصرانياً فأسلم، فبينما كان حول الكعبة داس أعرابي عباءته، فلطمه جبلة فشكا الأعرابي جبلة لسيدنا عمر قال: هذا الرجل ضربني فقال عمر: لماذا لطمته يا جبلة؟! فلما عرف عمر رضي الله عنه السبب: قال له: قف ها هنا يا جبلة! وأمر الأعرابي أن يلطمه فلطمه فعاد إلى قومه وارتد إلى النصرانية.

ودخل فقير مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلس بجوار الغني، فضم الغني عباءته، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أخفت أن يعديك فقره، أم خفت أن يعدو عليه غناك؟) فقال الغني: تنازلت له عن نصف مالي يا رسول الله! يريد أن يكفر عن ذنبه الكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للفقير: أتقبل؟ قال: لا أقبل يا رسول الله! ولم؟ قال: أخاف أن يدخلني من الغرور ما دخله، فمن عباد الله من هو غني لا يصلح له إلا الغنى، لو أفقره الله لفسد حاله، وإن من عباده فقيراً لا يصلح له إلا الفقر ولو أغناه سبحانه لفسد حاله، ولذلك أعظم دعوة: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] والحسنة عند الله لا يعلمها إلا هو، قال تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].

إذاً: من يتصف بصفات الألوهية يقول الله تعالى في شأنه: {فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:29] والعياذ بالله رب العالمين.

يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي والترمذي عن أبي هريرة: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن إلى الضرع) يعني: أنها قضية مسلم بها، فبما أن اللبن لن يعود إلى الضرع، إذاً: فلن يدخل النار من بكى من خشية الله، فإن كان قلبك قاسياً فرقق قلبك بالصلاة وقيام الليل والتباكي، فالدموع إذا سالت لان القلب، اللهم رقق قلوبنا يا رب العالمين! وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حرمت النار على عين سهرت بكتاب الله، وحرمت النار على عين دمعت من خشية الله، وحرمت النار على عين غضت عن محارم الله، أو فقئت في سبيل الله)، فكل هذه وسائل خير تحجز بينك وبين النار.

وكان سيدنا عمر بن الخطاب يرى لوجهه خطان من الدموع رضي الله عنه، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اغرورقت عينا عبد من خشية الله إلا حرم الله جسده على النار، فإن فاضت على خده لم يرهقه قتر ولا ذلة، ولو أن عبداً بكى في أمة من الأمم لأنجى الله عز وجل ببكاء ذلك العبد تلك الأمة من النار، وما من عمل إلا وله ثواب إلا الدموع، فإنها تطفئ بحوراً من نار).

فكل هذه آثار عن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.

وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ورأيت رجلاً يرعد كما ترعد السعفة فجاءه وجله من الله فاستنقذه من ذلك، ورأيت رجلاً من أمتي هوى في النار فجاءت دموعه اللاتي بكى بها في الدنيا من خشية الله فأخرجته من النار) والنار: اسم عام لكل نار، والعياذ بالله رب العالمين.

وتتعاقب الملائكة بالليل والنهار على المصلين فيقول الله: كيف تركتم عبادي؟ يقولون: كذا وكذا وكذا، يقول: هل رأوا الجنة؟ يقولون: لا يا رب، فيقول: فكيف إذا رأوها؟ قالوا: ويستعيذون من النار، فيقول الله: هل رأوها؟ يقولون: لا يا رب، يقول: فكيف إذا رأوا النار؟ ثم يقول الله: قد أعطيتهم ما يطلبون وعوذتهم مما يتعوذون.

أي: أبعدهم عن النار.

وإذا انفتل العبد من صلاة وقال: اللهم أدخلني الجنة وزوجني من الحور العين، وأجرني من النار قالت الجنة: اللهم أدخله عندي، وتقول الحور العين: اللهم زوجه منا، وتقول جهنم: اللهم باعد بيني وبينه وأجره مني يا رب العالمين! وذلك بعد كل صلاة، إذ إن الدعاء مخ العبادة.

أما القانطون من رحمة الله فلهم شأن آخر، فلابد أن تخاف كما خاف الصحابة والصالحون.

وإذا كان يوماً شديد الحرارة فقال العبد: إن هذا يوم شديد الحرارة، اللهم أجرني من حر جهنم، قالت النار: يا رب! إن عبدك فلاناً قد استجار بك مني، اللهم فأجره، وإذا كان يوماً شديد البرد زمهريراً تقول: يا رب! باعد بيني وبين زمهرير جهنم، وكذلك النار تدعو الله لك عز وجل أن يباعد بينك وبينها.

ويقول بعض العلماء: إن الحر في النار والعياذ بالله للإنس، والزمهرير -برد شديد جداً- للجن، لأن الجن مخلوق من النار.

ويذكر أن أعرابية صلت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة المغرب فسمعته يقرأ: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44] فأغشي عليها، وبعد الصلاة نادوا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأفاقت المرأة فقالت: يا رسول الله! أنبأتنا أن لها سبعة أبواب، لكل باب منهم جزء مقسوم، فهل ذلك: أن كل عضو يدخل من باب؟ قال: (لا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015