وجوب الإيمان بما ورد من أوصاف الجنة والنار دون اعتراض

أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وسلم عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الثامنة عشرة في سلسلة حديثنا عن الدار الآخرة، ندعو الله عز وجل في بداية هذه الحلقة عسى أن تكون ساعة يقبل فيها الدعاء، فاللهم تقبل منا دعاءنا، اللهم تقبل منا دعاءنا، اللهم تقبل منا دعاءنا، اجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروماً، ولا تدع لنا في هذه الليلة العظيمة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طالباً إلا نجحته، ولا شيطاناً إلا طردته، ولا مسافراً إلا رددته لأهله غانماً سالماً.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وآخرتنا التي إليها معادنا، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، اللهم أجرنا من النار، وأدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب مع الأبرار يا رب العالمين.

كما نسألك يا مولانا أن تنصر الإسلام وأن تعز المسلمين، وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم من أراد بمسلم كيداً فاجعل اللهم كيده في نحره، اللهم اهد كل ضال، اللهم اهد كل ضال، وتب على كل عاص، واشف كل مريض، واقض الدين عن المدينين، وفرج كربنا وكروب المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وتوفنا على الإسلام يا أكرم الأكرمين! وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

توقفنا في الحلقات السابقة عند مقدمة عن الجنة وعن النار، اللهم اجعل الجنة مآلنا، وابعد كل مسلم ومسلمة وكل مؤمن ومؤمنة عن النار وعن عذاب النار يا رب العالمين! تحدثنا يوم الإثنين الماضي في النصوص من كتاب الله عز وجل، ومما جاء في سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عن بعض آيات وأحاديث، تمثل نماذج للدخول في مسألة الحديث عن الجنة وعن النار، وما زلت أكرر قائلاً: إن الحديث عن الدار الآخرة ليس فيه قياس لمن يريد أن يقيس، وليس فيه اجتهاد لمجتهد، وإنما الحديث عن الدار الآخرة لا يخرج عن نصوص من كتاب الله ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن نقول: إن أحد الصالحين رأى رؤيا وأصبحت حقيقة من الحقائق التي تتحدث عن الدار الآخرة وما فيها؛ لأن الرؤى لا تمثل نصاً من نصوص الشرع، ولا تمثل ركناً نستند عليه في الحديث عن أمور العقيدة، فقلنا: إن أمر الحديث في أمر الدار الآخرة أو الموقف وما بعده لا يدخل العقل فيه أبداً ولا يدخل فيه التصور.

إن هناك من الأغبياء الأغنياء من يقول: ما هو هذا الحديث في القرآن عن الجنة، حور وقصور وفاكهة ولحم؟! فإنني متمتع بذلك كله في الدنيا، نقول لمثل هذا المغفل: إن الله سبحانه وتعالى من فضله ورحمته وكرمه يرزق عباده في الجنة بتمر مثلاً يفوق وصف العقل، ويؤتى بما لذ وطاب فتقول الملائكة: كل يا ولي الرحمن! إن اللون واحد ولكن الطعم مختلف.

فالله سبحانه وتعالى يقرب لنا مسألة الآخرة لكي نفهمها؛ فليس منا من دخل الجنة ثم عاد ليقص لنا ما فيها؟ ومن منا دخل النار ثم عاد ليحكي لنا ما فيها؟ إذاً: الله عز وجل يقرب للعقول البشرية المحدودة مسألة النعيم في الجنة ومسألة العذاب في النار، وبفضله ورحمته يخاطب الناس حتى يفهموا، فعلى سبيل المثال قوله تعالى: {وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} [الواقعة:29] وقوله تعالى: {عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد:15]، وقوله: {لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15]، وقوله تعالى: {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور:23]، لكن لو أخبرك عن حقيقة ما في الآخرة فلن تفهم، ولو أخبرك عن حقيقة الوصف بعد موتك لما استوعبت ذلك.

وأضرب مثلاً بسيطاً، لو أن طفلاً صغيراً يدرس ونقول له: انظر يا بني: سأكلمك عن الفرق بين الانشطار النووي والاندماج النووي، وسأكلمك عن العناصر الكيميائية، فهذه رمزها النووي أو الذري كذا، والذرة عبارة عن نواة فيها بروتون موجب ونيترون متعادل وإلكترون سالب، والإلكترون يدور في مدارات بسرعة معينة، وكتلة الإلكترون هذا بالنسبة لحجم الذرة كذا وكذا، فترى الطفل يتركك وأنت تشرح ويذهب ليلعب، لأنه لا يفهم، فلو أن الله سبحانه وتعالى -ولله المثل الأعلى- حدثنا عن حقيقة ما في الدار الآخرة سيكون وضعنا بالضبط كوضع الولد الذي نكلمه عن الذرة تماماً.

إن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى} [النجم:47] على صورة أبينا آدم ستون ذراعاً في السماء، القضية أن نأخذ أمر الدار الآخرة مما جاء في كتاب الله وجاء في كلام رسول الله بدون عرض على العقل؛ لأن العقل محدود، فلو قيل لك: من الناس من يأكل ويشرب ولا يعرق ولا يتغوط ولا يتبول ولا يخرج منياً ولا بصاقاً ولا مخاطاً أبداً وتعرض ذلك على العقل، هل سيرفضها أم يقبلها؟ يرفضها، إذاً: العقل المجرد يرفض، لكن حين تحيل هذا الأمر إلى خالق الأمر وتقول: سمعاً وطاعة يا رب العباد! وتقول: نحن مصدقون بكل ما جاء في كتاب الله، وبكل ما جاء به الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لأنه رحمة مهداة فإنك تسلك الطريق القويم.

إن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا معنى (غسلين) و (غساق) و (زقوم)، فمعنى (غسلين): العصارة والصديد والقيح الذي يسيل من أهل النار والعياذ بالله، فلو أن دلواً من غسلين أو دلواً من غساق مما أخبر الله عنه في القرآن أهرق على أهل الدنيا لمات أهل الدنيا كلهم من نتن رائحته، إذاً: الوصف لا يدخل تحت نطاق العقل، وقد قال الله سبحانه: {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا} [الكهف:29] أي: من شدة الحر، فيقولون: نريد أن نشرب {يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ} [الكهف:29]، إذا قرب الإناء الذي يمسكه من فمه فتعترضه ثلاثة أشياء: أولاً: يتساقط لحم يديه من شدة حرارة الكوب المصنوع من النار، ثانياً: عندما يقرب من فمه بخار المهل يتساقط منه لحم وجهه ويحترق ويتقطع، ثالثاً: كما قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15].

فإن قيل: هل الله سبحانه وتعالى يريد عذاباً بالعباد؟

صلى الله عليه وسلم لا، إن الله أرحم بنا من أمهاتنا، لكن السبب أن المخلوق أبى واستكبر على رب العباد سبحانه، قال تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} [الزمر:45] أي: تشمئز قلوب غير المؤمنين، فالكفار يشمئزون من كلام الله عز وجل.

إن الله خلق الجنة وأحاطها بالمكاره، وخلق النار وأحاطها بالشهوات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015