حديثنا اليوم هو عن الحوض، الله عز وجل يمن على حبيبه صلى الله عليه وسلم ويقول له: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر:1] أي: يا محمد! لقد أعطيناك حوض الكوثر، والكوثر في اللغة: هو الخير الكثير، يقول سيدنا أنس (كم عرضه يا رسول الله؟! قال: مسيرة شهر بالجواد المضمر) وفي رواية تقول: (ما بين المدينة إلى صنعاء) أو (بين صنعاء إلى عمان)، أو (بين المدينة إلى بصرى)، يعني: المسافة هذه لا تقل عن ألف كيلو، فكيف بالطول؟ لا يعلمه إلا الله.
هل هو حوض واحد؟ قيل: لا، (لكل نبي حوض، وسوف يرى الناس أيهم أشد ازدحاماً، وإني أدعو الله أن يكون حوضي أكثر الناس ازدحاماً عليه) هكذا يقول صلى الله عليه وسلم، فحوضه صلى الله عليه وسلم هو أعلى وأكبر حوض، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم التواضع، فقال: (أتمنى أن يكون حوضي أكثر وارداً قالوا: أتعرفنا على الحوض؟ قال: نعم أعرفكم.
قيل: من أين؟ قال: تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء).
كل نبي له حوض إلا صالحاً فحوضه ضرع ناقته، كل نبي له معجزة وقتية إلا معجزة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، فهو معجزة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فقوم سيدنا صالح يعرفون الجبل وما فيه، فقال لهم: إذا أخرجت لكم من الجبل ناقة فهل ستؤمنون بي؟ قالوا: نعم.
فانشق الصخر فخرجت الناقة، قال تعالى: {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا} [الشمس:13] نسبها الله عز وجل إليه؛ لأنها معجزة إلهية، من باب التحذير، وكأنه يقول: إياكم وقتل ناقة الله، إياكم أن تمسوها بسوء! فمكثت الناقة تشرب الماء يوماً، وهم يشربون منها الحليب، ثم يشربون من الماء في اليوم الثاني، فلما أرادوا قتلها قام شخص من علية القوم، قال فيه صلى الله عليه وسلم: (فقام رجل منهم عارم) أي: خبيث وشرير من أنسبهم، وكان كلما قرب من الناقة خاف، فذهب وشرب خمراً، قال تعالى: {فَتَعَاطَى فَعَقَرَ} [القمر:29] أي: شرب الخمر حتى يذهب عقله، فيقدم على قتلها، ولذلك سيدنا عثمان سماها أم الخبائث، فأول ما شرب الخمر ذهب فعقر الناقة، فقال لهم صالح: تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، وهذا وعد من عند الله عز وجل غير مكذوب، ثم جاءهم عذاب الله عز وجل والعياذ بالله رب العالمين! يقول بعض أهل العلم: إن الدابة التي يحدثنا القرآن عنها من علامات الساعة الكبرى: {أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82] هي ولد ناقة صالح، وأنهم عندما عقروا أمه دخل الفصيل في الجبل، وهذا ليس فيه حديث صحيح، ولكن من باب الأمانة العلمية ننقل هذا الكلام.
قال صلى الله عليه وسلم: (أتدري من أشقى الأولين يا علي؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: عاقر ناقة صالح، ثم قال: أتدري من أشقى الآخرين يا علي؟ قال: لا يا رسول الله! قال: قاتلك يا ابن أبي طالب).
إذاً الحوض عرضه ما بين المدينة وصنعاء، أو ما بين المدينة وبصرى، أو ما بين المدينة وعمَّان أو عمان على خلاف في التشكيل.