نجمل القضية بعد ذلك بأمر هام حتى لا يتشوش المسلم في موضوع الشفاعة، أنت كما قال لنا أهل العلم: اشتغالك فيما هو لغيرك لا لك، وتقصيرك عما هو مطلوب منك دليل على ضعف البصيرة فيك، وهذه فتنة الناس في هذا الزمان، فالمساجد ليست ممتلئة؛ لأن الناس وراء الدنيا والمشاغل، ولو وقف من الأسبوع ساعة أو ساعتين يحضر فيها درساً في علم من العلوم لأفلح، ولكن الناس يظنون أن هذا صعب وليس كذلك، عندما يبقى رجل الأعمال من الصبح إلى الساعة الثانية عشرة في الليل، ويرجع ينام كالجيفة، لا يعرف حق الله عليه، ثم يقول: إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا السعي، مع أن المجلس الواحد من مجالس العلم يكفر سبعين مجلساً من مجالس السوء، ولو يدري المسلم ما في مجالس العلم من خير لأتى إليها حبواً، ففيم اشتغالك فيما هو مضمون لك مثل مسألة الرزق؟ وقد قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:22 - 23].
فقال الأعرابي وهو أول مرة يسمع الآية، يسأل سيدنا عمر قائلاً: من أغضب الحليم حتى يقسم؟ لأن هذا الأمر لا يحتاج إلى قسم من الله.
فاشتغالك فيما هو مضمون لك، وتقصيرك عما هو مطلوب منك.
ومما هو مطلوب منك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58].
وليس المعنى: أن نعبده ونترك العمل، بل نعمل بالقدر الذي لا يفضي إلى محرم، وننتقل من الكون إلى المكون، ومن كون إلى كون، فتكون كحمار الرحى، بل نريدك أن تنتقل من الأكوان إلى المكون، قال تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42].