أما الشفاعة الأولى فقد تحدثنا عنها طويلاً في حلقات سابقة.
وأما الشفاعة الثانية فيحكي أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (وضع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم لحم، فنهش منه نهشة، ثم نظر وقال: أنا سيد ولد آدم في الآخرة ولا فخر.
وأنا أول من يفتح له القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة يوم القيامة، يقول خازن الجنة: يا محمد! لم يؤذن أن أفتح أبواب الجنة لأحد قبلك) أي: أن النبي أول الداخلين، اللهم احشرنا في زمرته يا رب.
ثم قال: (ويؤتى بأقوام من أمتي يوم القيامة كانت لهم كبائر في الدنيا ما تابوا منها؛ فيؤخذ بهم إلى النار، فلا يؤذن لي في الشفاعة) يعني: الرسول هنا لم يؤذن له أن يشفع في هؤلاء الذين لهم كبائر ما تابوا منها، وكأن الله عز وجل يعرف نبيه من الذي تقبل شفاعته فيه ومن الذي لا تقبل.
والطالب في الجامعة أو المدرسة تكون درجة النجاح من خمسين، وقد أتي بسبعة أو ثمانية وأربعين، فهناك شيء اسمه درجة الرأفة، فيعطى درجتين، وطالب آخر أتى (1%)، فلا يستحق أن يعطى تسعاً وأربعين درجة لينجح.
وأمر الآخرة مقارب لهذا، وهذا أمر غيبي لا نستطيع الاجتهاد فيه، لكن عندنا نصوص نعيش في إطارها، وإنما نقرب بالأمثلة، ولذلك قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا بني هاشم! لا يأتيني الناس يوم القيامة بحسناتهم وتأتوني أنتم بمظالم الناس على ظهوركم، تقولون: أدركنا يا محمد! فأقول ما قاله العبد الصالح: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118])، يعني: يوم القيامة ما مع فاطمة والحسن والحسين إلا أعمالهم، وهم قد علموا ذلك، وكان بإمكان أحدهم أن يقول للرسول: ادع لي، فيدعو له وانتهت المسألة، لكن قال لذلك الصحابي: (أعني على نفسك بكثرة السجود)، وكذا سائر الأعمال، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38].
ولذا يريد منا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أن نبيض وجهه يوم القيامة، يؤتى بأناس يوم القيامة يذهبون للرسول ليشفع لهم، فيقول: أنا لا أعرفكم، فيقولون: يا رسول الله! نحن من أمتك، وهو يقول: لا أعرفكم؛ لأنهم كانوا لا يصلون عليه في الدنيا، ولا يطبقون سنته بل رموها، ومن واظب على ترك سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم عوتب من الرسول يوم القيامة عتاباً يسقط له لحم وجهه ثم تريد أن يشفع الرسول فيك فكيف ذلك؟ لكن لو كنت تقدم خيراً حتى تدخل الجنة ولو بالرأفة.