كثرة الخلطة

وثانيها: الاختلاط.

مثل الاختلاط بين الرجال والنساء، والاختلاط مع الناس، وفي الأثر: أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما، عسى أن يكون حبيبك يوماً ما.

يعني: إن أردت أن تحب أحداً فلا تعطه مقاليد أمورك كلها؛ لاحتمال انقلابه عليك، فلربما انقلب الصديق فكان أعرف بالمضرة، وكثرة المحبة المفضية إلى كثرة التردد والزيارات تؤدي إلى تضايق الصديق من صديقه، وتذمره منه، بخلاف من يزور غباً، ولو كانت الشمس تطلع ليل نهار لتأذي الناس منها، لكنها تغيب ويجيء الليل، ونشتاق إلى شروقها لكي نسعى في مصالحنا، مصالح الدنيا والآخرة.

ومعنى: أبغض عدوك هوناً ما، أي: إن تكره أحداً فلا تقطع كل حبال الوصل به؛ لاحتمال أن يرجع إليك، فبأي وجه تقابله؟ وقد جاء في قصة سيدنا سهل بن عبد الله التستري وهو خارج في رحلة العلم، أنه خرج عليه بعض اللصوص فأخذوا ما معه وما مع أصحابه، فكان من ضمن ذلك الطعام، فنظر سهل إلى اللصوص فوجدهم كلهم يأكلون الأكل الذي اغتصبوه، ما عدا شيخ اللصوص، أي: كبيرهم، فقال له سهل: ما لك لم تأكل؟ قال له: هذا هو يوم الخميس وأنا صائم!! فقال له سهل: عجباً لص ويصوم! فقال اللص: يا سهل: لا أغلق كل الأبواب فيما بيني وبينه؛ أترك بيني وبينه باباً عسى أن أدخل عليه يوماً.

قال سهل: بعد ثلاث سنوات رأيت الرجل يطوف حول الكعبة ويبكي، فقال له: أنت ذلك اللص؟ قال له: نعم أنا، أما علمت يا سهل أن من ترك بينه وبينه باباً دخل عليه يوماً!! فأنت حين تخالط الناس لا تخالطهم على حساب دينك، ولكن خالطهم بالحسنى، وأول ما يضر ذلك بالدين فتوقف، إذاً: فالمنبع الثاني لفساد القلوب: الاختلاط مع الناس، والاختلاط مع الناس فيه خير وشر، فمن الشر الغيبة والنميمة والخوض في الأعراض، ونحو ذلك، والخير ما فيه مدارسة للعلم ونحوه، وهناك مجالس يباح الجلوس فيها ولا تسلم من اللغو فعندما تقوم فيها تأتي بكفارة المجلس، والمهم أن من واجب الناس أن يتوبوا، لكن ترك الذنوب أوجب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015