قال الله عز وجل: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22].
فعلى يمين العرش كفة الحسنات، وعلى يسار العرش كفة السيئات، وفي الناحية الثانية من الميزان الصراط، وعلى يمين العرش يجلس الخليل إبراهيم أبو الأنبياء، فأمام الخليل إبراهيم شيئان: كفة الحسنات للميزان، والجنة على يمين الصراط، وسيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم على يسار العرش أمام كفة السيئات للميزان وأمامه النار فالصحابة استغربوا من ذلك، هل من المعقول أن يكون الخليل إبراهيم عن يمين العرش وأمام الجنة وأمام كفة الحسنات، والحبيب المصطفى على يسار العرش أمام كفة السيئات وأمامه النار، فقال صلى الله عليه وسلم بتواضع: (أنا الذي طلبت من ربي ذلك) أي: من أجل أن أنظر إلى كفة السيئات للمسلم من أمتي، فإن ثقلت سيئاته أقوم فأضع في كفة حسناته بطاقة بحجم نصف الكف، فاستغرب الصحابة لكلمة بطاقة، والبطاقة: رقعة، وفي الكتب القديمة يقال لها: رقعة، قال الحسن البصري: إن أهل مصر يسمون الرقعة بطاقة، كمثل بطاقة في جيبك، البطاقة الشخصية والبطاقة العائلية وبطاقة التموين وهكذا.
فالبطاقة هذه يضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في كفة الحسنات، فالحسنات تثقل، ويريد صاحبها أن يعرف ما هذه؟ فيذهب وينظر ويقول: من أنت يا صاحب الوجه الوضيء؟ فيقول له: أنا حبيبك محمد صلى الله عليه وسلم فيقول له: وما هذه البطاقة؟ يقول: هذه صلاتك علي في الدنيا.
صلاةً وسلاماً عليك يا رسول الله.
صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على المبارك أحمد قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:56] صلى الله عليه وسلم، من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ومن صلى عليه عشراً صلى الله عليه بها مائة، صلى الله عليه وسلم.
(قال جبريل: تعس رجل ذكرت عنده ولم يصل عليك، تعس وابتعد عن الجنة قل: آمين يا محمد! فقلت: آمين) صلى الله عليه وسلم.
والعبادة مقبولة بشيئين: قراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كنت في الدعاء تبدأ بالصلاة على رسول الله وتدعو، ثم تثني بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهما صلاتان مقبولتان والله أكرم من أن يدع ما بينهما.
سافر أحد التابعين وأبوه معه، فأدركت أباه المنية في الطريق، فغطاه إلى أن يظهر أناس في الطريق فيصلوا عليه ويدفنوه، فنظر الولد إلى وجه أبيه فوجد وجهه يسود ويسود حتى صارت عليه كآبة، وحزن الابن حزناً ما بعده حزن، فجلس بجوار جثة أبيه وأخذته سنة من النوم فوجد رجلاً وضيء الوجه، فقال له: من أنت؟ قال: أنا محمد رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: يا رسول الله! إن أبي قد مات فاسود وجهه، قال: لا تخف يا عبد الله! لقد كان كثير الصلاة علي، قم فاكشف وجه أبيك، فاستيقظ فرحاً، فكشف وجه أبيه فوجده كفلقة القمر ليلة التمام، فلا تنس أن تكثر من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذكر أن واحداً من الصالحين كان في جيبه فلس واحد، وابنته تريد أن تعمل عملية عند الطبيب، والطبيب طلب مبلغاً لا يستطيع دفعه ولا يقدر على تسلفه.
ومعلوم أن الرؤى لا تحقق قاعدة شرعية، ولكن رؤى الصالحين تعطي اطمئناناً للنفس الإنسانية طالما أن الرؤيا تفسيرها لا يخالف نصاً من نصوص الكتاب ولا نصوص السنة، فرأى في منامه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: مالي أراك مهموماً؟ قال: يا رسول الله! ابنتي تريد أن تعمل عملية وليس معي نقود، قال: قم فانهض إلى فلان وقل له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا -بنفس الرقم المطلوب- وهو لا يعرف هذا الرجل، فذهب لصلاة الفجر، وسمع الناس يقولون: لماذا فلان لم يأت ليصلي معنا؟ قال: ربما يكون مريضاً -وذكروا نفس الاسم الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه، قال لهم: يا إخوة! أين أجد هذا الرجل؟ قالوا: هو رجل عنده ضياع وأنعام، ولكن يحتمل أن يكون مريضاً ولم يأت للصلاة، فاذهب وابحث عنه في المكان الفلاني.
فذهب يسأل عنه، فقالوا: هو القادم بهذا الفرس، فقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا، فانتبه الرجل وجرى بالفرس ولف ورجع، وقال: ماذا تقول؟ قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا، فجرى بالفرس ودار به سبع دورات وعاد فأخذ باللجام وقال له: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعطيني كذا، قال: كم طلبت أنت؟ قال له: كذا، قال: فاضرب في سبعة، والله لو درت ألف دورة لضربتها في ألف، قال له: لم؟ قال: لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم وأمرني أن أعطيك.
وتعرفون قصة سيدنا علي والتمرات، فهذه أشياء توافق قلوباً مسلمة وليست قاعدة شرعية، ولكن الرؤى الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، اللهم رقق قلوبنا يا رب العالمين! فالرسول صلى الله عليه وسلم يخبرهم أنه يقعد على شمال العرش تجاه كفة السيئات، من أجل أن ينظر إلى أمته، فقالوا له: يا رسول الله! تعرفنا نحن؟ قال: (أعرف أمتي بين الأمم غراً محجلين من آثار الوضوء) أي: أعرفهم بوجوههم المنيرة وأعقابهم المنيرة من آثار الوضوء، فالذي لا يصلي ولا يتوضأ حرم نفسه من معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم له، فبما أنه لا يصلي فكيف يعرفه الرسول؟ بل سيقول له: لا أعرفك.
ثم ينادي الله عز وجل عند نصب الموازين: (يا آدم قم فابعث بعث النار) أي: أخرج من أولادك أهل الجنة وأهل النار، قال: (فيقوم فيبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين) فخاف الصحابة من ذلك، فقال: (لا تخافوا إنما أنتم في أهل النار كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، إن معكم من الأمم ما سوف تثقل موازين أهل النار يأجوج ومأجوج واليهود والنصارى) يعني: أن المؤمن يمر على النار، لأنك عندما تخلق يوجد لك مكانان مكان في الجنة ومكان -والعياذ بالله- في النار.
فيقول الملائكة: يا عبد الله! انظر هذا مكانك لو عصيت الله، واذهب هناك في الجنة، ويجعل فداءك من النار يهودياً أو نصرانياً، فاليهودي والنصراني يرث مكانك في النار، ولذلك ربنا سمى أهل الجنة بقوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ} [المؤمنون:10 - 11] اللهم اجعلنا من ورثة جنة النعيم يا رب! فيكون العبد المؤمن ميراثه في الجنة ونعم الميراث، فميراثه جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ} [الزمر:74].
قال: (يا آدم قم فابعث بعث النار) إذاً: لم أنت يا رسول الله! قاعد على يسار العرش أمام كفة السيئات، وأمام جهنم من أجل أن الذي تخف حسناته تقوم فتشفع له عند ربه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيما أرى الذاهبين من أمتي إلى النار فأشفع لهم عند ربي).