ثم بعد ذلك يحاسب الله عز وجل الأمم، وأول أمة يؤتى بها أمة نوح، يؤتى بنوح فيقال له: يا نوح! هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب! بلغت قومي فيقول الله: هل بلغكم نوح؟ فبين مصدق ومكذب، القليل الذين آمنوا به يقولون: نعم بلغنا، والأغلبية الكافرة يقولون: لم يبلغنا، فيقول الله: يا نوح! إن قومك يقولون: ما بلغتهم، مع أن الله هو الحكيم الخبير، وهو العليم الخبير، لكن من أجل أن يلزم الحجة لعباده، يقول: يا نوح! أمعك من يشهد لك؟ فيقول: نعم يا رب، محمد وأمته، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيقال له: هل بلغ نوح قومه؟ فيقرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} [نوح:1] إلى آخر الآية، حتى قال أهل العلم: حتى إن المسلمين يسمعون صوت النبي كأنهم ما سمعوا القرآن من قبل، فربنا يسمع المؤمن ساعتها بصوت الحبيب المصطفى بالشكل هذا، فسيدنا محمد شهد، ويأتي أصحاب محمد فيقولون: نعم يا ربنا لقد بلغهم، فيقولون: كيف يشهد علينا من لم يرنا؟! فيقول الله عز وجل: نعم كيف تشهدون عليهم وأنتم ما رأيتموهم أيضاً من أجل يلزمهم الحجة؟ فيقولون: يا ربنا! قرأنا كتابك، وتلاه علينا رسولك، وعلمنا أن ما فيه صدق وحق، وقرأنا فيه أن نوحاً بلغ قومه، فيقول الله: صدق محمد، وصدق أصحاب محمد، ثم نفس القضية، وموسى وعيسى كلهم يكذبون من قبل أقوامهم.
ثم ينادى على جبريل وكل واحد سيسأل يوم القيامة قال: فيأتي جبريل تصطك ركبتاه يكاد أن يقع فرطاً وخوفاً من الله عز وجل تعالى، فيقال له: يا جبريل! هل بلغت محمداً؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول الله: يا محمد! فيقول: نعم يا رب العباد! فيقول الله: يزعم جبريل أنه بلغك فيقول: نعم يا رب صدق جبريل، ثم يقول الله: يا أمة محمد! هل بلغكم محمد؟ قالوا: نعم يا ربنا، قد بلغنا، فيقول الله: صدقتم يا أمة محمد، فهذا هو سؤال الأمم، يقول تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:41] عليه الصلاة والسلام، كل أمة يطلع منها شهيد ويأتي سيدنا الحبيب فيشهد علينا وعلى الأمم كلها، صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المقام المحمود يوم القيامة، والجزئية الباقية التي هي مسألة الشفاعة إن شاء الله رب العالمين.
إذاً: مثقال الذرة ربنا يحاسبنا عليها، وإن تك مثقال ذرة، يعني: لذلك يقول يوم القيامة: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فهذه الذرة التي لا ترى بالعين المجردة ستوزن في الميزان يوم القيامة، يعني: لا توزن بالموازين العادية التي معنا، فيوم القيامة ربنا سيزن مثقال الذرة، إذاً: النظرة والضحكة والسخرية والكلمة والغدوة والروحة، والذهاب والإياب، والقعود والجلوس والحركة، كلها مسائل يجب أن يراعي العبد فيها ربه؛ لأن الله سوف يسألنا على صغير الأمر أو كبيره.
هذه حلقة من الحلقات الصعبة جداً على الناس، والمرعبة جداً والمخيفة، ولكن هذا من أمانة العلم، فيجب علينا أن ننقلها إليكم.
بارك الله فيكم، ولا تنسونا من صالح دعائكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.