القسم الثاني: من لا سيئة لهم؛ ولذا أول من ينادى يوم القيامة: ليقم الحمادون لله على كل حال، الذي يحمد الله في السراء والضراء، والصابر في الضنك والسعة، فهو في حالة من الحمد المستمر؛ فسيدنا موسى يقول: يا رب! كيف أشكرك وشكري لك نعمة تستوجب الشكر؟! قال: يا موسى لقد شكرتني، فالله يخبره أنه بهذه الكيفية يكون قد شكره.
فأنا إذا قلت: الحمد لله أليس هذا الحمد أساساً يستوجب أن أحمد الله على أن رزقني أن أحمده؛ لأن هناك نوعاً من الناس لا يقول: الحمد لله إلا بعدما يشكو إليك الشكوى كلها، فهو ليس حمداً؛ لأنك تشكو الذي يرحم إلى الذي لا يرحم.
كذلك الأرملة التي مات عنها زوجها وترك لها أيتاماً، فربتهم وأحسنت التربية، فهذه ليست في الجنة فقط، بل سيدنا الحبيب يقول: (بينا أنا أقعقع حلقة الجنة لأدخل إذا بامرأة سفعاء الخدين تريد أن تسبقني) يعني: وجهها مصفر، هزيلة متعبة من التربية (فأقول: من أنت يا أمة الله؟ فتقول: أنا امرأة توفي عنها زوجها وترك لها يتامى، فقعدت عليهم وربتهم، فيدخلها الرسول معه خطوة بخطوة) انظر إلى هذه العظمة! هذا أيضاً من باب الحمد، ومن باب الصبر، اللهم اجعلنا من الحمادين، واجعلنا من الصابرين يا رب! يقول سيدنا الحبيب: (أول مؤمن يأخذ كتابه بيمينه عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله! عجباً وأين أبو بكر؟ قال: عجباً لكم أنتم، أتريدون أن يقف أبو بكر للحساب إن الملائكة قد زفته إلى جنات عدن)، ويقال أيضاً: إن أبا بكر هو الذي يقال له يوم القيامة: (يا أبا بكر! أسرع بالمرور من فوقي، فإن نورك غطى على ناري) ما سبقكم أبو بكر بصلاة ولا صيام، ولكن سبقكم بشيء وقر ههنا.
فهو عنده يقين غريب في الله عز وجل، وعنده صلة بالله لا يعلمها إلا الله.