أحوال القبر

أنت كمسلم يجب عليه أن تعلم ما قاله عثمان رضي الله عنه قال: القبر أول منزل من منازل الآخرة، فإن كان يسيراً فما بعده أيسر، وإن كان شديداً فما بعده أشد يعني: أن القبر أول خطوة من خطوات الآخرة، لأنك دخلت في عالم الغيب.

وكان عمرو بن العاص -وهو فاتح مصر- يقول: لو عاد لنا ميت ليقص لنا ما حدث.

أي: لو يرجع ميت ويحكي لنا ماذا في القبر.

فلما نزل الموت بسيدنا عمرو اجتمع عليه الصحابة فقالوا له: لقد كنت تتمنى أن يرجع أحد ويحكي لنا الذي يحصل، فأنت الآن ماذا يحصل لك؟ فقال سيدنا عمرو: والله كأنما انطبقت السماء على الأرض، وكأن روحي محشورة بينهما، وكأنني أتنفس من ثقب إبرة، وكأنني عصفور فوق مقلاة زيت يغلى على نيران ساخنة، فلا هو يطير فينجو، ولا يموت فيستريح.

هذا كلام عمرو بن العاص فاتح مصر، والرسول انتقل إلى الرفيق الأعلى وهو راض عنه.

فأول ما تطلع روحك وتفارق البدن فأنت حي تماماً ولكنك لا تتكلم، بدليل أن سيدنا عمراً قال: إذا مت فلا تدخلوا علي أحداً من أقاربي المحارم وهو لابس ثوباً أحمر، قالوا: لماذا يا عمرو؟ قال: حتى لا تفكر الروح في نار جهنم فتفزع.

وسيدنا عبد الله بن عمر كان يمشي في جنازة فسمع رجلاً يقول: استغفروا لأخيكم، فقال له: اسكت لا غفر الله لك.

لأن الجنازة لا تشيع في صوت، وإنما تشيع في صمت، فأنت لو كتبت هذا الكلام كله في الوصية فإنك تخرج نفسك من الأزمة.

فالميت أول ما ينزل القبر وندفنه فإنه يرى ويسمع ويشعر ولكنه لا يتكلم فقط، فهو يحيا حياةً من نوع آخر، فقد انتقل من نوع من الحياة إلى نوع آخر من الحياة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإنه ليسمع قرع نعالهم وهم يغادرونه)، وهذه أصعب لحظة عليك من ساعة ما ولدت، فأهلك يتركونك وحيداً.

وهذه اللحظة صعبة جداً تريد إيماناً قوياً، وربنا يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

فأنت الآن تذكر الله بسهولة؛ لأنك قاعد وسط إخوانك وفي النور، وفي حالة من الأنس، وأما هناك فهي حالة من الرعب والذعر، وسيأتيك ملكان يسألانك، وقد سأل سيدنا عمر رسول الله فقال له: صفهم لنا يا رسول الله، قال: (يخرج من فيهما نار، ومن منخريهما نار، ومن عينيهما نار، ومن أذنيهما نار).

فخاف سيدنا عمر وقال: (وأعرف ساعتها أني عمر؟) يعني: ساعتها يكون عندي عقل وأعرف أنني عمر، فقال له: (تعرف يا عمر، قال له: إذن والله لا أبالي)، فكيف سيكون حالنا، نسأل الله السلامة.

فإذا كان الميت له رصيد من الحسنات فإنه سيجيب على السؤال، فإذا قيل له: (من ربك؟ قال: ربي الله لا إله إلا هو، من نبيك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، وما دينك؟ قال: الإسلام، وما كتابك؟ قال: القرآن، فيقال له: نم هنيئاً عبد الله، ويوسع له في قبره مد البصر، ويفتح له باباً ليرى مقعده من الجنة، فيقول: يا رب عجل بالساعة عجل بالساعة).

وأما الثاني -والعياذ بالله- فيحصل له ذعر ورعب، فيقال له: من ربك؟ يقول له: أنت، فيضربه بالمرزبة ضربة يغوص منها إلى سابع أرض، ثم يرجع فيقال له: من ربك؟ وهو يعرف أن الإجابة الأولى غلط، فيقول: لا أدري، وما دينك؟ لا أدري، وما كتابك؟ لا أدري، ومن هذا الرجل الذي أرسل فيكم؟ لا أدري، فيقال له: على الشك عشت، وعلى الشك مت، وعلى الشك لقيت الله، فليس لك اليوم ههنا حميم، فينطبق القبر عليه وينظم حتى تختلف أضلاعه، ويفرش له حيات وعقارب، ويفتح له باب يرى مقعده من النار فيقول: يا رب لا تعجل بالساعة لا تعجل بالساعة.

اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل شر، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، اللهم أكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وتوفنا على الإسلام، اللهم توفنا على الإسلام، اللهم توفنا على الإسلام، وارزقنا قبل الموت توبة وهداية، ولحظة الموت روحاً وراحة، وبعد الموت إكراماً ومغفرة ونعيماً.

اللهم إنا نسألك إيماناً صادقاً، وعلماً نافعاً، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن عين لا تدمع، ومن قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تقنع، ومن بطن لا تشبع، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، أحينا على قول لا إله إلا الله، وأمتنا على قول لا إله إلا الله، وابعثنا من قبورنا آمنين مطمئنين تحت راية لا إله إلا الله، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وجزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015