يجمع الله سبحانه الخلائق جميعاً في أرض المحشر، مؤمنهم وكافرهم، مستقيمهم ومنحرفهم، طيبهم وعاصيهم، ثم تحشر الوحوش وتنزل الملائكة تنزيلاً لتحيط بأرض المحشر، وكل نفس معها سائق وشهيد، أي: كل واحد منا معه ملكان سائق يسوقه وشاهد يشهد عليه.
ولذلك فإنك إذا وجدت طفلاً صغيراً تفرح به وتقول له: تعال يا بني! أنا سأدعو وأنت تقول: آمين، لم؟ لأن الولد لم يبلغ الحلم، وبالتالي فإن ملك السيئات لم يكتب عليه سيئة، فكلمة آمين منه مستجابة عند الله، لكن عمر عندما كان يختم المصحف يقول لأولاده وأولاد جيرانه: أنا أدعو وأنتم تقولون آمين، عسى الله أن يتقبل منا.
فنحن نستخدم الأطفال في التأمين على الدعاء؛ لأننا أصبحنا نغترف السيئات اغترافاً.
أخي المسلم! عندما يزورك ملك الموت تبدأ الملائكة بتفريغ ما ارتكبته من سيئات في كتاب أعمالك.
إذاً: العبيد وقفوا أمام الله عز وجل ومع كل نفس سائق وشهيد.
وقال عمر في رسالته الشهيرة لـ سعد بن أبي وقاص: يا سعد! اعلم أن عليكم حفظة من الله، فاستحيوا منهم كما تستحيون من أنفسكم.
قال أحد الصالحين: استح من ربك كما تستحيي من رجل صالح من عشيرتك، وليس معنى قوله: (استحي من ربك) أنك ظالم أو مجرم أو غير ذلك، إنما الاستحياء من الإحسان، فإن أغلقت الأبواب وظننت أنه لا أحد يراك فإن الله يراك؛ لأن مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
يوم المحشر تأتي كل نفس معها سائق وشهيد، أو رقيب وعتيد ووقف الخلق فلا تسمع إلا همساً، وعنت الوجوه للحي القيوم، وكلهم في حالة من الوجل والخوف، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة الأنبياء والصالحين والملائكة يومها: رب سلم! رب سلم!) فالأنبياء والرسل والملائكة المقربون كلهم لا يملكون من الدعاء إلا أن يقولوا: يا رب سلم يا رب سلم، إذاً: هذا اليوم صعب وليس من السهولة بمكان، وأنا حزين كل الحزن على من تفوته حلقات الدار الآخرة، وأرجو من الإخوة الذين يقومون بالتسجيل أن ينشروها بأي وسيلة وعلى قدر المستطاع، ولك فيها الثواب العظيم إن شاء الله؛ لأنه أمر يخص العقيدة، ويجعل العبد يستعد من الآن ويستفيق من غفلته.
كما قال الإمام علي رضي الله عنه: قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك.
فالعالم يغر الناس بتهتكه، والجاهل يغر الناس بتنسكه، فترى العالم جالساً يتعاطى السجائر ويقعد في أماكن مشبوهة ويغر الناس، والجاهل يغر الناس بتنسكه حيث يعبد الله وعبادته كلها غلط، فتراه يطوف حول قبر الحسين سبع مرات كالكعبة تماماً، ويقبل الأحجار والأعتاب ويظن أنه على صواب، نسأل الله أن يوقظنا من غفلتنا، وأن ينبهنا من غفوتنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه؛ إن ربنا على ما يشاء قدير.
إذاً: وقفت الخلائق كلها منتظرة، ووضعت الموازين، قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء:47].
وفي يوم المحشر كل أمة تقف وراء إمامها، محمد صلى الله عليه وسلم يقف أتباعه وراءه، وموسى عليه السلام أتباعه وراءه، ثم تتطاير الصحف.
والصحف: عبارة عن كتب لا يعلم مادتها إلا الله، فيها مجمل الحسنات ومجمل السيئات، يعني: ليست ورقة تفصيلية أو كراسة تفسيرية، وليست كتاباً مفصلاً بأجزاء، إنما هي عبارة عن شيء له وجهان: وجه فيه حسناتك ومجموعها، ووجه فيه سيئاتك ومجموعها، قال تعالى: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:13 - 14].
الصحف لها مرحلتان: المرحلة الأولى: الطائر، سماه الله طائراً؛ لأنه يطير حتى يلتصق برقبة صاحبه، كالسالب والموجب، فكل كتاب يعرف صاحبه ويلتصق في رقبته، فإذا كنت من المؤمنين تمسك كتابك بيمينك، وإذا كنت من أهل الفسق والفجور والاعتراض المستمر على أهل العلم تمسك كتابك بالشمال والعياذ بالله، وهناك صنف ثالث أسوأ عذبوا الرسل وأهل الدين وحبسوا أهل العلم ونكلوا بهم وشردوهم، فمثل هذا والعياذ بالله يتلقى كتابه من وراء ظهره، فيضع الله وجهه مكان قفاه، مثلما كان يعيش في الدنيا بالمقلوب.
فإن قلت لأستاذ: عيب عليك يا أستاذ! إن امرأتك تمشي عارية في الشارع، وتكشف شعرها ورقبتها ووجهها وذراعها ورجلها ووسطها، فاتقوا الله في شبابنا ورجالنا، فإنه يقول: اسكت يكفي كلاماً فارغاً، نحن لسنا في عصر الحرام، لا حول ولا قوة إلا بالله.
وللأسف الشديد ظهرت في مصر جمعية تسمى جمعية المرأة الجديدة، والقائمون عليها نساء يقال عنهن: سيدات المجتمع، لهن صحافة وإعلام، وللأسف الشديد هن نساء لا يتقين الله عز وجل، إذ يدعين إلى أن المرأة لا تلبس الحجاب إلا حين تموت -يعني: عند الكفن فقط- وأنه ليس هناك شيء يدعو إلى أن المرأة تتحجب، فقد مضى عصر الحريم، والعودة إلى عصر الحريم عودة إلى عصر التخلف، فهؤلاء من ألد الأعداء للإسلام.
وقالت رئيسة الجمعية في اجتماع لها: إنه يجب عند ولادة البنت أن نزيل غشاء بكارتها، كما أن الولد يختن، حتى إذا كبرت البنت صارت حرة طليقة تفعل ما تشاء، واستمرت الحكومة في السكوت عنها، حتى إذا بدأت تتكلم في السياسة أغلقوا الجمعية الأسبوع الماضي؛ لا لأنها تقول هذا الكلام الفاجر، وإنما لأنها بدأت تتحدث في السياسة، وكأنه يجوز أن يتحدث الإنسان في الكفر، ولكن لا يحق له أن يتحدث في أشياء أخرى، نسأل الله أن يريحنا من هؤلاء وأن يبلغنا الأمان والإيمان والاستقامة والهداية، وأن يتوفانا على الإسلام، وأن يجعلنا من الذين ينصرون الإسلام في كل وقت وحين.
إذاً: إما أن يأخذ كتابه بيمينه وإما أن يأخذ كتابه بشماله أو يأخذ الكتاب والعياذ بالله من وراء ظهره.