معنى الحساب في الدنيا

كلمة حساب إذا أطلقت في الدنيا إنما يخطر على بال الواحد منا أنه الجمع والطرح، والتجار يتحاسبون فحساب التجار أرباح وخسائر فإذا كانت الشركة في آخر السنة عند إعداد الحساب الختامي أو الحساب الموسمي خزانتها زائدة فهي شركة ناجحة؛ لأن فيها الزيادة، وإذا كانت الديون أكثر مما في الخزانة، إذاً: الشركة خاسرة.

إذاً: قضية الحساب إذا خطرت على بال العبد بمسائل الدنيا فهي عبارة عن زيادة ونقص، ولا يوجد ما بين البينين، فإن كانت الشركة بين ربح وخسران فهي محتاجة إلى لجنة رأفة، فأرباح الشركة بقدر خسائرها تريد شفاعة من رئيس الوزراء أو من المسئول كي يرجح جانب الربح عن جانب الخسارة، أو جانب الزيادة عن جانب النقص.

ونحن ندخل على حلقة الحساب فعندي تهيب غريب لهذه الحلقة بالذات.

ذكرنا أن الخلق قد حشروا في أرض المحشر ووقفوا أمام الله عز وجل عرايا كما ولدتهم أمهاتهم، وأول من يكسى الحلة خليل الله إبراهيم كما روي عن الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم، يحشر الله الخلائق من لدن آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

تخيل أنت هذا الموقف وشبهه بموقف من مواقف الدنيا، فالمحكمة عبارة عن قاض قاعد ومستشار كادح على قدر حاله، إذا أصيب بالأنفلونزا لا يذهب إلى المحكمة، وإن جاء غيره لا يقدر أن ينطق بالحكم، وإن جاء ابنه أخطأ في المسألة ونسي القانون الذي درسه؛ نتيجة أنه أصيب بشيء من المرض أو دخل في غيبوبة أو أخذوه إلى غرفة الانعاش، نفس القضية في المحامي من يترافع عنك قد يموت ساعة الجلسة أو ابنه يموت، أو تأتيه سفرية فيموت هو، فلا تجد من يدافع عنك في المحكمة.

فإذا كانت المحكمة الدنيوية صورة مصغرة، فلست أريد تشبيه يوم الحساب بالمحكمة الدنيوية؛ لأن الأمر أكبر من ذلك، لكنه مثل قريب قوي لمسألة التوتر الحاصل للمدعي أو المدعى عليه في مسألة أو قضية من القضايا، كقضية ميراث أو قضية أرض أو قضية طلاق أو شهادة، كل هذه المسائل مسائل دنيوية مصغرة، ولكن أمر الآخرة أكبر من ذلك.

يقول أبو بكر رضي الله عنه: يا رب! ليس لك وزير فيؤتى ولا حاجب فيرشى وليس لنا إلا أن نخلص في أعمالنا عسى أن تتقبلها منا يا رب العالمين! هذا قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي لو أن إيمانه وضع كفة وإيمان الأمة كلها في كفة لرجحت كفة الصديق بإيمانه.

إذاً: الأمر خطير؛ ولذلك يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (يا عباس! يا عم رسول الله! اعمل ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية! يا عمة رسول الله! اعملي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئاً، يا بني هاشم! لا يأتيني الناس بحسنات يوم القيامة وتأتوني بأوزاركم على ظهوركم تقعون بها على الصراط تقولون: أدركنا يا محمد! أقول ما قاله أخي عيسى: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم).

قيل: يا خليل الرحمن! إنك تشبث بقوائم العرش عندما تزفر النار زفرة وتنسى ابنك إسماعيل، وتنسى أنك خليل الرحمن، قال: خوفي من ربي أنساني خلتي له.

خوف سيدنا الخليل من الله أنساه أنه خليل الرحمن، إذاً: الخوف وصل إلى درجة كبيرة؛ ولذلك يقول عمر بن الخطاب: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015