قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12] سعرت يعني: اشتعلت فيها النيران، سأل الصحابة رضوان الله عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عن شرر جهنم فقال: (أوما قرأتم قول الله عز وجل: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ} [المرسلات:32 - 33]؟) فشرر جهنم كالمدائن والحصون ولو أن أهل جهنم رأوا نيراناً من نيران الدنيا لا ستراحوا فيها وناموا، وفي يوم القيامة يقول الله سبحانه: يا آدم! ابعث بعث النار، فيقوم آدم فيبعث من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، يأخذهم آدم إلى النار، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك خافوا وارتجفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تخافوا، لا تخافوا، أنتم آخر الأمم وأولها دخولاً إلى الجنة، ما أنتم في الأمم إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو الشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض).
قال تعالى: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12] ويقول سبحانه: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} [الفجر:23] جيء: فعل ماض مبني للمجهول، أي: يجيء بها الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجرها ملائكة لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك).
وإذا الجحيم سعرت جاءت ولها زفرات ثلاث تزفر على أهل المحشر، تهجم عليهم ثلاثة أنواع من الهجوم المتتابع، كالأسد الذي يستعد للوثوب على فريسته، وهكذا منظر جهنم تستعد للوثوب على أرض المحشر؛ فأول زفرة قال: (يهرب أهل المحشر من أمامها سراعاً فينكفئون بعضهم على بعض وعلى وجوههم).
ونضرب مثلاً بنار في قصر يبلغ أربعة عشر طابقاً، فترى من يسكنه يقفز وهو يعلم أنه ميت، لكن القفز عنده أسهل من أن تلحقه النار، كذلك إذا زفرت جهنم الزفرة الأولى هرب أهل المحشر كلهم فعادت، ثم زفرت الزفرة الثانية فما من نبي مرسل ولا ملك مقرب إلا آخذ بقوائم العرش، قال تعالى: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً} [الجاثية:28] من جثا يجثو على ركبتيه، فترى جميع أهل المحشر جاثين من هول جهنم، ويقال: إن الشهداء والعلماء المخلصين سيرفعون رؤوسهم فيطمئنون الناس أنها قد عادت، فتأتي الزفرة الثالثة وهي أكبر من سابقتيها ثم تعود فتنصب في هذه اللحظة الموازين.
ووقود النار كما قال سبحانه: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24]، وقال الله سبحانه: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
اللهم الطف بنا يا رب العالمين! وأبعدنا عن نار جهنم، وأبعدنا عنها عملاً في الدنيا وجزاءً في الآخرة، اللهم أدخلنا الجنة بدون سابقة عذاب، اللهم زحزحنا عن النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وقربنا من الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، واجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك يا رب العالمين! آمين يا رب العالمين! الحكيم الترمذي رحمه يجمع هذه الأسماء كلها في مقولة شهيرة، يقول فيها: مثل لنفسك أيها المغرور! يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأضعفت حراً على رأس العباد تفور وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا العشار تعطلت عن أهلها خلت الديار فما بها معمور وإذا الجبال تقلعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك: أين نسير؟ وإذا تقاة المسلمين تزوجت من حور عين زانهن شعور وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف عند ذاك تساقطت تبدي لنا يوم القصاص أمور وإذا الصحائف نشرت فتطايرت وتهتكت للمؤمنين ستور وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تدور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتى على طول البلاد صبور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف جناية كيف المصر على الذنوب دهور