وهذه السيدة عائشة تبكي بكاءً مراً على الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: (ما لك يا عائش)، وكان يلاطفها، وهو حنون على زوجاته، فقالت: أيذكر ويعرف بعضنا بعضاً يا رسول الله يوم القيامة، أو (هل كلنا سيعرف الآخر عندما نخرج من القبور؟ قال: يعرف بعضنا بعضاً ويذكر بعضنا بعضاً، إلا في مواطن ثلاثة) في مواطن ثلاثة، متى يا حبيب الله؟ وفي رواية الإمام أحمد: (مواطن أربعة)، في رواية الإمام ابن ماجه والترمذي ومسلم: (في مواطن ثلاثة).
وهي كالتالي: أولها: (عندما نخرج من قبورنا، لا يسأل حميم حميماً) أي: لا أحد يسأل عن أحد، لو لقيت أباك أو ابنك بجانبك لفررت منه، وكذا امرأتك، فيفر الإنسان من كل من يعرف في هذا الموقف.
ثانيها: (عند تطاير الصحف).
وثالثها: (عند نصب الموازين أيثقل أم يخف) اللهم اجعلنا من الذين تثقل موازينهم يا رب العالمين.
ورابعها: (عند الصراط، أيهتز به الجسر أم يثبت قدمه عليه).
اللهم ثبت أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
يقوم الناس من قبورهم على غير هدى، من لدن آدم إلى آخر إنسان على الأرض، الراعي الذي ستقوم عليه الساعة، هو آخر من سيموت، ثم تقوم الساعة عليه ويموت وهو وسط غنمه، من أبينا آدم إلى هذا الراعي يعني: إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، كل خارج من القبور من جميع أنحاء العالم يتجه إلى مكان واحد، لكن المؤمن الثابت الإيمان، التقي، النقي، الطاهر، الشريف على باب قبره ينتظره الملكان اللذان كانا أصحابه في الدنيا، أي: ملك الحسنات وملك السيئات، يثبتانه بالقول الثابت.
اللهم اجعلنا منهم يا رب، فالمؤمن الثابت، التقي، النقي ينتظره رقيب وعتيد يثبتانه: لا تخف، مثل أن تنزل أرضاً أو بلداً غريبة، فتلقى في المطار أناساً يتكلمون باليابانية وآخرون بالصينية، وأنت لا تعرف يابانية ولا صينية، ثم تجد صديقك، له عشرون سنة في هذه البلاد، فقال لك: أهلاً وسهلاً كيف حالك؟ وماذا تعمل؟ فكذلك الملكان يثبتانه في القبر، ويلقنان المؤمن الحجة، اللهم لقنا حجتنا يا رب العالمين.