استدعاء ملك الموت بعد الصعق

وبعد الصعق يستدعي رب العباد سبحانه ملك الموت، وهو العليم الخبير فيقول له: يا ملك الموت! فيقول: نعم يا رب! فيقول الله له: هل بقي أحد على ظهر الأرض؟ وهذا السؤال من الله سؤال من يريد تقرير الحقيقة، وهذا كقوله تعالى: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ} [المائدة:109].

وكقوله تعالى: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:16 - 118].

وقوله تعالى على لسان عيسى: (إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) فيه تقرير بأنه لا أحد يعلم الغيب إلا الله سبحانه، فلا تضرب الودع ونحوها؛ لأن عند المسلم يقيناً بالله عز وجل فيتقي ربه، ولا يصدق بأن إنساناً لا يستطيع أن يعرف ما وراء الطبيعة إلا بإيمانه بالله عز وجل وفتح الله عليه.

فيقول إسرافيل: يا رب! بقي على وجه الأرض جبريل وميكائيل وإسرافيل وعبدك الماثل أمامك ملك الموت، فيقول الله له: يا ملك الموت! اقبض روح ميكائيل، فيقبض روح ميكائيل، ويبقى إسرافيل وجبريل، فيقول له الله: اقبض روح إسرافيل، وفي رواية: اقبض روح جبريل، ثم بعد قبض روح ميكائيل وإسرافيل وجبريل، يقول له الله: يا ملك الموت من على وجه الأرض؟ وتخيل ملك الموت أمام الله، أمام من يملك قضية الموت والحياة، كما قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2].

وقد رأى رسول الله جبريل على هيئته مرتين له ستمائة جناح قد سد الأفق بجناحيه، فقال يا جبريل! أريد أن أراك على حقيقتك، وكان يأتيه في صورة دحية الكلبي أحد الصحابة، وكانت صورته جميلة، هو من قبيلة كلب، فهذا هو الذي كان يأتي جبريل في صورته إلى رسول صلى الله عليه وسلم، ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أريد أن أراك على حقيقتك فقال له: (لا تستطيع، فقال الله: يا جبريل! لا ترد أمراً لحبيبي محمد، اخرج إلى البقيع يا رسول الله! فخرج، ورأى أجنحة جبريل وقد سدت مشرق الشمس ومغربها، رأسها في السماء ولم ير رجليه)، وكاد أن يغشى على الرسول من المفاجأة والهول، ما هذا الحجم وما أكبره؟ فلما عاد إلى حجمه، أي: لما عاد -يعني: إلى الحالة الطبيعية أو الشبه الذي كان يأتي به إلى الرسول - وقد قال جبريل: (أنا بالنسبة لإسرافيل وميكائيل كحلقة ملقاة في فلاة، ولو تراهما يا رسول الله! وقد تصاغرا خشية من الله عز وجل، حتى يصيرا كالعصفور الصغير).

إذاً: فالملائكة معصومون، لا يعملون الغلط، والله جعلهم نورانيين في خوف من الله عز وجل، ونحن الذين ركب فينا الخير والشر، وشرنا أكثر من خيرنا إذا انحرفنا لا نخاف؟ بل يجب أن نخاف الله سبحانه، قال الله تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9] اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.

فقال الله لملك الموت: يا ملك الموت مت، وفي رواية الترمذي قال: (لم يبق إلا حملة العرش)، أي: الحاملين للعرش فقال: يا ملك الموت أمت حملة العرش، ثم قال له الله: من بقي؟ فيقول: عبدك فقال له: مت، ثم يقول الله عز وجل: كنت أنا الله وأبقى أنا الله، أنا الله لا إله إلا أنا، أين الملوك؟ أين أهل الملك؟ أين أهل الجبروت؟ أين أهل القهر؟ لم يبق إلا أنا الواحد القهار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015